واحتجّ الآخرون بوجوه :
الأوّل : أنّ المتبادر من السببية عدم التداخل ، واختصاص كل سبب بمسبّب لخصوص نفسه. وفيه : أنّ التبادر ـ لو سلّم ـ ففيما كان دليل السببية قضية شرطية ، والمقصود في المسألة ما يعمّ ذلك ، فقد يكون الدليل غير اللفظ ، كالإجماع ونحوه ، أو اللفظ ، وهو غير القضية الشرطية ، مع أنّ دعوى اطّراد التبادر في أمثال القضايا الشرطية ممنوع جدا ، بل لا يبعد تبادر التداخل فيما إذا كانت الأسباب مختلفة وتواردت دفعة ، كما إذا قال : إن جاء زيد فصم ، وإن جاء عمرو فصم.
نعم ، دعوى التبادر فيما إذا اتّحد السبب وتكرّر بالتعاقب ـ كما إذا قال : كلّما جاء زيد فأعطه درهما ، أو صم يوما ـ غير بعيدة.
الثاني : أنه لو تداخل السببان ، كإفطار يوم رمضان ، ومخالفة النذر في وجوب الكفارة ، فالسبب الثاني ، إمّا يوجب الكفارة التي أوجبها الأوّل بعينها ، فيلزم إيجاب الواجب ، وهو باطل ، أو لا يوجب سببا ، فهو خروج عن سببيته المعلومة ، أو يوجبان معا كفّارة واحدة ، فهو خلاف مقتضى السببية التامّة المستقلّة لكلّ منهما.
وفيه اختيار الأوّل ، ولا استحالة فيه ، فإنّ الأحكام الشرعية المسبّبة عن أسبابها ليست بمثابه المعلومات المترتبة على العلل العقلية التي يمنع تواردها على معلول واحد ، لجواز أن يكون شيء مطلوبا من جهتين متعلّقتين (١) ، كما في نذر الواجب ، أو مبغوضا كذلك ، كحرمة وطء الأجنبية في نهار رمضان ، ونجاسة دم الكلب.
الثالث : أنّ مقتضى كل سبب الإتيان بمسبّبه ، لأجل أنّه سببه ، أي : لقصده ، ولازمه عدم التداخل. وفيه منع اللازم ، لإمكان جمع القصدين في فعل واحد ، وحصول الامتثالين به ، كما في تداخل الأغسال ، وهو جائز اتفاقا.
__________________
(١) كذا.