الخامس : إذا لاقى أحد المشتبهين شيء ثالث ، لم يحكم بنجاسته على المختار معينا ، سواء كان قبل استعمال أحدهما أو بعده ، لعدم حصول العلم بها ولو بعد استعمال الجميع ، وإنما يحكم بالآثار المشتركة.
نعم ، لو كان الحكم بنجاسة أحدهما من باب التخيير الناشئ عن عدم المرجّح ، فلا يبعد القول بنجاسة ما لاقاه إذا اختاره المكلّف من بينهما ، وكذا على القول بالقرعة.
ويظهر ممّا ذكرناه ، عدم جواز الجمع بين ملاقي أحدهما مع عين الآخر ، وكذا بين ملاقيهما ، ووجهه ظاهر.
وأما على القول بالاجتناب عن الجميع ، فقال بعض من عاصرناه ، فيه وجهان ، بل قولان ، واختار عدم التنجّس الملاقي ، استنادا إلى أنّ الاجتناب عن النجس لا يراد به إلّا الاجتناب عن العين ، وتنجّس الملاقي للنجس حكم وضعي سببي يترتّب للعنوان الواقعي من النجاسات ، فإنّه إذا شكّ في ثبوته للملاقي جرى فيه أصل الطهارة.
وبعد الإحاطة بما تقدّم بيانه ، يظهر لك ضعفه جدّا ، فإن ما يترتّب للعنوان الواقعي هو التنجّس الواقعي للملاقي ، ولا نعني به ، كما لا نحكم به لغير الملاقي ـ بالفتح ـ أيضا. وأما التنجّس الظاهري ، فيترتّب على تنجّس العين ظاهرا ، كتنجّس الملاقي للنجس الاستصحابي ، والمفروض كون الملاقي ـ بالفتح ـ محكوما بالنجاسة ، وإن كان من باب المقدمة ، ويلزمها نجاسة ما لاقاه كما تبيّن.
ثم اعترض على نفسه ، بأنّ وجوب الاجتناب عن ملاقي المشتبه ، وإن لم يكن من حيث ملاقاته ، إلّا أنّه يصير كملاقاته في العلم الإجمالي بنجاسته أو نجاسة المشتبه الآخر ، فلا فرق بين المتلاقيين في كون كل منهما أحد طرفي الشبهة.