خوفاً ، ولا ينطقون بحديث عن السلطة الحاكمة ولكنهم لا يملكون هدوءاً روحياً ، فالقلوب تمتلىء بالغيظ والحقد ، وينتظرون الفرصة المناسبة التي يثورون فيها وينتقمون من حكامهم.
والحكام أنفسهم قلقون دائماً ، خائفون على مناصبهم .
في مثل هذه الدولة يتمادى الحكام في الظلم والقسوة ، وكل ظلم يصدر منهم يولد إثارة جديد في الرأي العام . فإن إعترض المواطنون على حكامهم لقيامهم باعتداء ، جنحوا لاسكاتهم إلى إعتداء جديد ، وهكذا كلما يتقدمون خطوة يضطهدون أكثر ، حفظاً على مقامهم وشوكتهم وكلما يزداد الإِضطهاد تشتد العداوة والفجوة بينهم وبين أبناء الشعب وتتراكم الأحقاد إلى أن يحين اليوم الذي تنفجر العقد وتلتهب نتائجها الوخيمة عن نار لا تبقي للظالمين ولا تذر . وفي ذلك يقول الصادق عليهالسلام « من زرع العداوة حصد ما بذر » (١) .
إنَّ تاريخ بني أمية وجرائمهم أصدق شاهد على ما ذكر . فقد قام يزيد لتثبيت قدرته وتحكيم أساس حكومته بقتل الإِمام الحسين عليهالسلام ، وإحداث فاجعة كربلاء بذلك الوضع المزري الذي بعث على الاشمئزاز في جميع أرجاء الدولة الإِسلامية ، وقام الناس في المدينة طالبين عزل ( يزيد ) عن الخلافة بكل صراحة . فكان رد الفعل منه أن أقدم على جريمة جديدة فولغ في دماء أهل المدينة وأعراضهم بواسطة الجيش الجرار الذي بعث به من الشام ففعلوا ما فعلوا مما يندى له جبين الإِنسانية .
يذكر لنا المؤرخون أن أحد الجنود الشاميين دخل إلى بيت امرأة قريبة عهد بوضع حملها حيث كانت ترقد في فراش الإِستراحة ، فطلب منها مالاً فأقسمت المرأة التي كانت قد فقدت كل وجودها في غارة أهل الشام على المدينة بأنها لا تملك شيئاً ، ثم خاطبت وليدها قائلة والله لو كنت أملك من حطام الدنيا شيئاً لافتديت به عنك ، وحقنت به دمك ، وهنا وجم الجندي
____________________
(١) الكافي لثقة الإِسلام الكليني ج ٢ ص ٣٠٢ .