إذا كانت جميع الصفات الوراثية حتمية غير قابلة للتغيير ، وإذا كانت جميع الصفات الرذيلة في الأبوين تنتقل إلى الأولاد تماماً شأنها شأن لون العيون أو الجنون والحماقة . . . لم يكن معنى لإِرسال الأنبياء من قبل الله تعالى ، وكانت الشرايع والتعاليم السماوية لغواً لا فائدة فيها ، كما أنه من العبث قيام المحاولات الإِصلاحية والمذاهب التربوية في المجتمعات البشرية ، لأنها لا تستطيع أن تؤثر في السلوك الموروث .
|
« ويميل نموّ الجسم في إتجاهات مختلفة إستجابة للوسط فتصبح صفاته الفطرية حقيقية أو تظل خاملة . فمن المحقق أن ميولاً وراثية معيّنة تتعدل تعديلاً كبيراً بظروف تكويننا » (١) . |
تبلغ العادات التربوية والتمارين الإِصلاحية المتواصلة درجة من القوة في التأثير بحيث تتغلب على الصفات الوراثية وتحدث وضعاً جديداً في الأفراد ، يقول الإِمام علي عليهالسلام بهذا الصدد : « العادة طبع ثانٍ » (٢) .
إن الرئتين في الإِنسان خلقتا لاستنشاق الهواء ، والذي يدخن السيجارة لأول مرة ، ويرسل دخانها إلى أعماق رئتيه يحس باضطراب عجيب ، إذ يحس بدوار في رأسه ، يبدأ بالسعال ، تنتابه حالة التقيؤ تملأ الدموع عينيه وهكذا ينقلب حاله أثر الدخان . وهذا بديهي لأن الرئة لم تصنع للدخان بل للهواء النقي .
ولكن بتكرار التدخين تعتاد الرئة على الدخان وتتخلى عن طبعها الأولي الذي كان ينفر من الدخان . وهكذا ينقلب ما كان يبعث على النفور والاضطراب إلى أداة للتسلية والترويح عن النفس وهنا نقول بأن الرئة قد تربّت على استنشاق الدخان ، وعلى أثر التكرار حصلت على طبع ثانوي وتركت
____________________
(١) الإِنسان ذلك المجهول ص ١٩٧ .
(٢) غرر الحكم ودرر الكلم ص ١٩ . طبعة دار الثقافة ـ النجف الأشرف ـ .