وأجاب المرتضى أيضا بأجوبة (١) :
منها : أن النية لا يراد بها التي مع العمل ، والمفضل عليه هو العمل الخالي من النية.
وهذا الجواب يرد عليه النقض السالف. مع أنه قد ذكره ، كما حكيناه عنه.
ومنها : أن لفظة (خير) ليست التي بمعنى (أفعل) التفضيل ، بل هي الموضوعة لما فيه منفعة ، ويكون معنى الكلام : أن نية المؤمن خير من جملة الخير من أعماله ، حتى لا يقدر مقدر : أن النية لا يدخلها الخير والشر كما يدخل في ذلك في الأعمال. وحكى عن بعض الوزراء استحسانه ، لأنه لا يرد عليه شيء من الاعتراضات.
ومنها : أن لفظة (أفعل) التفضيل قد تكون مجردة عن الترجيح كما في قوله تعالى (وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً) (٢). وقول المتنبي (٣) :
أبعد بعدت بياضا لا بياض له |
|
لأنت أسود في عيني من الظلم |
قال ابن جني (٤) : أراد أنك أسود من جملة الظلم ، كما يقال :
حر من أحرار ، ولئيم من لئام ، فيكون الكلام قد تمَّ عند قوله (لأنت أسود). ومثله قول الآخر :
وأبيض من ماء الحديد كأنه |
|
شهاب بدا والليل داج عساكره (٥) |
__________________
(١) انظر : أمالي المرتضى : ٢ ـ ٣١٥ ـ ٣١٨.
(٢) الإسراء : ٧٢.
(٣) ديوانه بشرح البرقوقي : ٤ ـ ١٩٥.
(٤) انظر : أمالي المرتضى : ٢ ـ ٣١٧ (نقلا عنه).
(٥) البيت في أمالي المرتضى ، وفي شرح العكبري لبيت المتنبي أورد من غير عزو. انظر : أمالي المرتضى : ١ ـ ٩٣ (المتن والهامش).