والذي بستطيع الباحث أن يستنتجه رغم مبالغة القصة أن المجتمع في مكة لم تفتنه يومها انتصارات معاوية كما أن انعاماته السخية لم تلغ ملكات النقد فيها وان رفاهية الحياة التي أصبحوا يعيشونها في هذا العهد لم تنسهم طلاقة البداوة وصراحتها ورجولتها وأن قوة معاوية وجبروته لم يثن من عزيمة امرأة يسألها. ان أعطيتك فهل أحل عندك محل علي؟ فتقول ولا توارب : «ماء ولا كصداء ومرعى ولا كالسعدان وفتى ولا كمالك».
كما يستطيع أن يستنتج أن معاوية كان يحاول بكل ما ملك من صبر وحلم وجود أن يعوض مكة والمدينة ما فقدتاه من السلطة ولقد نجح في ناحية السياسة كما أراد ، كأني بمكة رأت أنه من الخير أن تدين بالطاعة لهذا الرجل العظيم في الشام كما رأت أن له من صحبته برسول الله وعلو بيته في قريش وقوة شخصيته وشدة منعته بالشام وكريم أخلاقه ومننه العظيمة الفياضة ما يؤهله للقيادة ويجعله حريا بالطاعة.
لهذا قنع المعارضون فيها وفي المدينة بالأمر الواقع. واعتقد أنه لو لم يفكر في أخريات أيامه في توريث الخلافة لولده يزيد لما عاد الثائرون في الحرمين الى المعارضة ولجرى سير التاريخ في غير ما جرى.
إذن فقد أهابت فكرة التوريث الى يزيد بالمعارضين ليعيدوها جذعة .. ليذهب ضحيتها ابن بنت رسول الله وليجد عبد الله بن الزبير الفرصة سانحة لدعوته التي طال عليها السكوت.
ولقد كان عبد الله بن الزبير كما أسلفنا ، مثال الزعيم الناهض وكان له من بأسه وشجاعته النادرة وتدينه كل مقومات الزعامة ، ولست أشك في أنه كان