يحتضن رأي القائلين باعادة الخلافة الى مهدها في الحجاز ، وأوشك ابن الزبير أن ينجح في المهمة التي اضطلع بها وكاد أن يعيد الى مكة مركزها من السلطة الدينية وشوهد مروان بن الحكم حجة الأمويين في عهده يعتزم الرحيل الى مكة ليبايع ابن الزبير فيها لولا أن الشباب من بني أمية قطعوا عليه سبيله في الجابية وأعلنوا مبايعته بالخلافة.
وكان لهذا أثره فقد تكاثرت جنود الشام ـ يقودهم بنو أمية ـ على صاحب النهضة في مكة حتى أحبطوا مساعيه ودفنوا آماله في بطحائها وعلقوا جثته على مرتفع فيها عند الحجون.
ولم يقتصر هذا الأثر على ما علمت من احباط مساعي ابن الزبير ودفن آماله في بطحاء مكة لأننا نرى أنه كان لذلك رد فعل تعدت نتائجه إلى الروح السائدة بين المكيين فأخمدت جذوتها وأطفأت شعلتها وأحالتهم من جديد الى اناس يعيشون على هامش السياسة الإسلامية بعد أن كانوا منها في الصميم.
فقد جدت على أثر فشلهم في حركة ابن الزبير حوادث إسلامية هامة في أمصار الإسلام أثناء حكم بني أمية الى نهايته اصطفق فيها المسلمون واضطربت أمواجهم فيها فكان للخوارج شأن وللمتشيعين والعلويين والزيديين شأن آخر وللمرجئة والمعتزلة والشعوبية شؤون غيرها فلم يختلط المكيون بشيء مما حدث ولم يشايعوا فريقا ضد فريق كما لو كانوا قد قنعوا بما جربوا أو يئسوا بعد أن حاولوا ، وشيء آخر لا يصح ان نغفله من حسابنا ونحن ندرس هذه الحقبة من تاريخ مكة ذلك أن المكيين كانوا فيما يبدو مأخوذين بالروح التي كانت تسود في عهد الشيخين وبخيال الظل الذي تألق فيما بعد في صورة ابن الزبير فلما أسقط في أيديهم وفاجأتهم الحوادث بغير ما يتخيلون أدهشتهم المفاجأة فظلوا