والفتنة عمياء أبد الدهر لا تبصر ما دونها فكيف بها والجيشان متقابلان على أهبة القتال في أعصاب مرهفة.
وتريث المتقون في كلا الفريقين وكان من رأي كل جماعة أن لا تكون البادئة بقتال ولكن الفتنة أبت أن تدع الفرصة لعاقل ونشاط السيوف الغادرة أبى ألا أن يثيرها عمياء.
وهكذا تضرم القتال وحمي الوطيس عامة النهار وما وافى المساء حتى تراجع أصحاب عائشة واستبسل أصحاب علي فعقروا الجمل وحملوا الهودج في احتشام حتى أبرزوه على الأرض ونادى منادي علي بالأمان بعد أن قتل من الفريقين نحو عشرة آلاف.
وقتل في هذه الموقعة طلحة والزبير ومحمد بن طلحة وكثير من مشيخة الصحابة وحملة القرآن (١) وقدر بعضهم سائر القتلى من الفريقين بعشرة آلاف في نسبة تكاد تكون متساوية بينهما وزاد غيرهم على ذلك وبالغ فيه بعضهم مبالغة شديدة.
وبهذا انتهت أول فتنة تبارز فيها جيشان مسلمان للقتال ، وإذا كان لمثلي رأي فلا أكثر من أن أقول أنها كانت سابقة أعطت للحياة دليلا قويا على تعدد الجوانب في كل شيء فهذان رعيلان اشتدا في سبيل الحق الذي يعتقدانه ولسنا نعقل أن الحق كان متعددا في هذه الفتنة فقد كان حقا واحدا ولكنه متعدد الجوانب بتعدد وجهات النظر .. انه درس اسلامي ثمين ليت المسلمين في كل زمان
__________________
(١) الكامل ٣ / ١٢٤ وما بعدها.