إليه فأخبرته بذلك ، فبكى بكاء شديدا ثم قال : والله لو علمت أنه يقول لك ذلك ما دللتك عليه. فقلت له : يا سيدى [عرّفنى](١) ما السبب؟ فقال لى : قم إلى شغلك. فقلت : والله ما أقوم حتى تحدّثنى. فقال لى : هؤلاء كانوا اثنى عشر رجلا يعبدون الله تعالى فى ذلك الموضع ، وكانوا كلّ ليلة ينزوى كل واحد منهم فى مكان ويجيء بطبق فيه اثنا عشر (٢) رغيفا وحوت سمك ، فجلست معهم حتى جاءت نوبتى ، فقالوا لى : قم ، فلعلّ الله تعالى أن يأتيك بالرزق. فقمت وجلست فى زاوية ، ورفعت طرفى إلى السماء وقلت : اللهم لا تخجلنى بينهم ، فلم أشعر إلّا وإلى جانبى طبق فيه ثلاثة عشر رغيفا وحوت سمك. فقلت فى نفسى : لقد اشتهيت ، لو كان معه قليل ملح تذهب به حلاوة السمك! وإذا بالملح قد وضع على الطبق ، فجئت بالطبق إليهم وعليه ملح زائد.
فقالوا لى : من أين هذا الملح؟ فسكتّ ، فقالوا لى : قل لنا ما سبب هذا الملح؟
إن كنت اشتهيته فليس بجيّد ، وإن كان بغير الشهوة (٣) فجيد. فقلت : [إنما] اشتهيته. فقالوا : نحن (٤) فى هذا المكان لا نشتهى شيئا ، وأنت متعرّض فلا تصحبنا ، فمضيت وتركتهم.
وله فضائل كثيرة وسياحات وعبادات. [وتوفى ـ رحمه الله تعالى ـ لثمان خلون من صفر سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة ، كما على قبره مكتوب ، وقبره مشهور](٥) ، وهو فى فناء مسجده (٦) المعروف به فى الجبّانة ، وبنى مساجد فى غير هذا الموضع (٧) من البلد وعمّرها ، وله كرامات يطول شرحها ، وكان
__________________
(١) ما بين المعقوفتين عن «ص».
(٢) فى «م» : «اثنى عشر» لا تصح.
(٣) فى «ص» : «أو أتاك بغير شهوة». وما بين المعقوفتين بعده عن «م».
(٤) فى «م» : «نحن قوم».
(٥) ما بين المعقوفتين عن «م» وساقط من «ص».
(٦) فى «ص» : «وقبره فى فناء مسجده».
(٧) فى «ص» : «فى غير موضع».