يجترئ أن يسألك الجنة». ثم أصبح كأنه بات على الحشايا ، وأصبحت وبى من الفترة (١) ما الله عالم به ، فلما دنونا من أرض العدو قال الأمير (٢) : لا يشدّنّ أحد من العسكر. فوقف يصلى ، فذهبت بغلته بثقلها ، [فقلت له : إنّ الناس قد ذهبوا ، فقال : ما بقى إلّا ركعتين خفيفتين. فقلت : وقد ذهبت البغلة]. فقام فصلّى ركعتين ثم قال : اللهم إنى أقسمت عليك [بحرمتك](٣) إلّا رددت علىّ بغلتى وثقلها. قال : فلم يشعر إلّا والبغلة قد جاءت فوقفت بين يديه ، فحمل هو وهشام بن عامر ، فلم يزالا يضربان فى العدوّ ويقتلان ، فانكسر العدوّ ، وقالوا : إنّ رجلين من العرب قاتلونا قتالا عظيما ـ يعنيان هشاما وصلة بن أشيم ـ فكيف لو قاتلوا (٤)؟ فأعطوا المسلمين حاجتهم ، فسمعنا قائلا يقول : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ ، وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ)(٥).
وروى الحسن قال : مات أخ لنا ، فلمّا وضع فى قبره ومدّ عليه الثّوب (٦) جاء (٧) صلة بن أشيم فأخذ بجانبى الثوب ، ثم نادى يا فلان :
فإن تنج منها تنج من ذى عظيمة |
|
وإلّا فإنّى لا أخالك ناجيا |
ومات صلة بن أشيم رضى الله عنه فى سنة خمس (٨) وتسعين. وقال قائل : فى أول إمرة الحجاج ، وأهل مصر متفقون على أنه مات بمصر ودفن بمقبرتها (٩) ، وقبره ظاهر ، معروف بالإجابة.
__________________
(١) الفترة : الضّعف.
(٢) فى «م» : «قال أمير».
(٣) ما بين المعقوفتين عن «م» فى الموضعين.
(٤) قوله : «فكيف لو قاتلوا؟» عن «م» وساقط من «ص».
(٥) سورة البقرة ـ الآية ٢٠٧.
(٦) فى «م» و «ص» : «ومدّ عليه التراب» وما أثبتناه هنا عن الحلية.
(٧) فى «م» : «جاءه».
(٨) فى «م» : «خمسة».
(٩) يقول ابن الزيات فى الكواكب السيارة : إن هذا ليس بصحيح ، ولم يثبت هذا عند أحد من المصريين. وانظر ص ٣٣٤ ـ الهامش رقم ١.