ثم أخرج لهم حيلة المنشار ، فنشرت الشجرة حتى بلغ المنشار إلى رأس زكريا ، فأنّ أنّة ، فأوحى الله تعالى إليه : يا زكريا ، إن أنّيت ثانية لأمحونّك من ديوان النّبوّة. فصبر (١) زكريا حتى نشر نصفين.
قال أبو الخير : فقلت [فى نفسى](٢) : إلهى وسيدى ، إن ابتليتنى لأصبرنّ. وسرت حتى دخلت (٣) أنطاكية ، فرآنى بعض إخوانى (٤) ، وعلم أنى أريد الغزو ، وكنت يومئذ أستحى (٥) من الله تعالى أن آوى إلى وراء سور ، فدفع لى سيفا وترسا وحربة (٦) ، فدخلت الثغر خيفة من العدو (٧) ، فجعلت مقامى فى غابة أكون فيها بالنهار ، فإذا جاء الليل خرجت إلى الساحل فأغرز الحربة وأسند الترس إليها محرابا (٨) ، وأتقلد بسيفى وأصلى إلى الغداة (٩) ، فإذا صليت الصبح عدت إلى الغابة فكنت فيها نهارى. ثم خرجت يوما فنظرت إلى شجرة كرم قد أينعت وفيها عنقود قد وقع عليه النّدى (١٠) وهو يبرق ، فاستحسنته ، ونسيت عهدى مع الله تعالى وقسمى ألّا أمدّ يدى إلى شىء مما تنبته الأرض ، فمددت يدى إلى الشجرة فقطعت منها عنقودا ، وجعلت بعضه فى
__________________
(١) قوله : «فصبر» عن «م» .. وفى «ص» : «فغصّ».
(٢) قوله : «قال أبو الخير» عن «ص» .. وما بين المعقوفتين عن «م».
(٣) فى «ص» : «دخلنا».
(٤) فى «م» : «أصحابى».
(٥) فى «م» : «أحتشم».
(٦) فى «ص» : «وحربة للسبيل».
(٧) فى «م» : «فدخلت السفر خليفة العدو» تحريف من الناسخ.
(٨) فى «م» : «وأغرز الحربة وأجعلها لمحرابى» والمحراب : مقام الإمام من المسجد.
(٩) فى «م» : «إلى الصباح».
(١٠) هكذا فى «م» .. وفى «ص» : «فنظرت فى بعض الأيام إلى شجرة بطم قد بلغ بعضها» ، والبطم : شجرة من الفصيلة الفستقية ، وطولها من ٤ إلى ٨ أمتار ، وثمرتها حسكة مفلطحة خضراء ، تنقشر عن غلاف خشبى يحوى ثمرة واحدة ، تؤكل ببلاد الشام.