سعّرت ، والنداء من العليّ : أين منصور بن عمّار؟ فلما سمعت ذلك اصفرّ لونى ، وتلجلج لسانى ، ثم جئت فوقفت فى الموقف وأنا خائف وجل ، فسمعت ذلك النداء : يا منصور بن عمّار ، بماذا جئتنى؟ قلت : جئتك بثلاث (١) وثلاثين حجّة ، وثلاث وثلاثين غزوة ، وثلاث وثلاثين سنة أقوم الليل وأصوم النهار! فقال : يا منصور ، وعزّتى وجلالى ما قبلت شيئا من ذلك! فقلت : يا ربّ ، شقّى أنا أم سعيد؟ فقال : سعيد! فقلت : يا ربّ بم (٢) استوجبت عندك هذه السعادة ولم تقبل من أعمالى شيئا؟ فقال : يا منصور ، إنك جلست يوما مجلسا فشوّقت عبادى إلى الجنّة وحذّرتهم من النار ، فجال اسمى فى سرك ، فقلت فى دعائك : اللهمّ اغفر لأقسانا قلبا ، ولأجمدنا عينا (٣) ، وكان هناك ولّى من أوليائى فأمّن علىّ وعليك ، فاستجبت ذلك لأجله ، فغفرت لك ولمن حضر مجلسك!
* * *
وقيل : هذا القبر تاريخه قديم ، فيه ابن شماسة المهدى ، ويعدّ من أكابر العلماء والتابعين ، روى عن جماعة ، منهم عمرو بن العاص ، وعقبة بن عامر الجهنيّ ، وروى عن جماعة من رجال الصحيح ، وكان من الأئمة الفضلاء الحفّاظ ـ وجد هذا على القبر :
يا أيها الغافل جدّ الرحيل |
|
وأنت فى اللهو وزادك قليل |
لو كنت تدرى ما تلاقى غدا |
|
لذبت من فطر البكا والعويل |
فأخلص التّوبة تحظى بها |
|
فما بقى فى العمر إلّا القليل |
ولا تنم إن كنت ذا فطنة |
|
فإنّ قدّامك نوم طويل (٤) |
__________________
(١) فى «م» : «بثلاثة» فى المواضع الثلاثة التى هنا.
(٢) فى «م» : «بما» خطأ ، والصواب حذف ألف «ما».
(٣) المراد بجمود العين : قلة دمعها.
(٤) هكذا فى «م» لضرورة الشعر ، وهو خطأ فى اللغة ، والصواب : «نوما طويلا».