فقال : سمع أبا عبد الله بن العسكرى ، وعمر بن محمد بن سنبك (١) ، ولم تلق فى المالكية أفقه منه. وكان حسن النّظر ، جيد العبارة ، وتولى القضاء بباذرايا وباكسايا. وخرج فى آخر عمره إلى مصر فمات بها.
وذكره ابن بسّام فى كتاب الذخيرة فقال : كان ثقة ، وكان بقية الناس ، ولسان أصحاب القياس ، وقد وجدت له شعرا معانيه أجلى من الصّبح ، وألفاظه أحلى من الظّفر بالنجح (٢) ، ونبت به بغداد كعادة البلاد بذوى فضلها ، وعلى حكم الأيام فى محسنى أهلها ، فخلع أهلها ، وودّع ماءها وظلّها ، وحدّثت أنه شيّعه ـ يوم فصل عنها ـ من أكابرها ، وأصحاب محابرها جملة موفورة ، وطوائف كثيرة ، وأنه قال لهم : لو وجدت بين ظهرانيكم رغيفين كلّ غداة وعشيّة ما عدلت عن بلدكم بلوغ أمنية ، وفى ذلك يقول :
سلام على بغداد منى تحية |
|
وحقّ لها منّى السّلام مضاعف (٣) |
فو الله ما فارقتها عن قلى لها |
|
وإنّى بشطّى جانبيها لعارف |
ولكنها ضاقت علىّ بأسرها |
|
ولم تكن الأرزاق فيها تساعف |
وكانت كخلّ كنت أهوى دنوّه |
|
وأخلاقه تنأى به وتخالف (٤) |
ثم توجّه إلى مصر فحمل لواءها ، وملأ أرضها علوما ، واستتبع ساداتها وكبراءها ، وتناهت عليه الغرائب ، وانثالت (٥) فى يديه الرغائب ، فمات لأوّل
__________________
(١) فى «م» : «سبيل» والتصويب من وفيات الأعيان ج ٣ ص ٢١٩.
(٢) فى «م» : «بالحج» تصحيف.
(٣) البيت فى فوات الوفيات :
سلام على بغداد فى كل موطن |
|
وحقّ لها منّى سلام مضاعف |
(٤) كخلّ : كصديق وخليل .. وفى «م» : «كنخل» تصحيف.
(٥) تناهت : بلغت نهايتها وسكنت ـ وانثالت : تتابعت وكثرت وانهالت.