وتنكير (بَناتٍ) لأن التنكير هو الأصل في أسماء الأجناس. وأما تعريف (بِالْبَنِينَ) باللام فهو تعريف الجنس المتقدم في قوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) في سورة الفاتحة [٢]. والمقصود منه هنا الإشارة إلى المعروف عندهم المتنافس في وجوده لديهم وتقدم عند قوله (يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ) في سورة الشورى [٤٩].
وتقديم البنات في الذكر على البنين لأن ذكرهن أهم هنا إذ هو الغرض المسوق له الكلام بخلاف مقام قوله : (أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً) في سورة الإسراء [٤٠]. ولما في التقديم من الردّ على المشركين في تحقيرهم البنات وتطيّرهم منهن مثل ما تقدم في سورة الشورى.
والإصفاء : إعطاء الصفوة ، وهي الخيار من شيء.
وجملة (وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ) يجوز أن تكون في موضع الحال من ضمير النصب في و (أَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ) ، ومقتضى الظاهر أن يؤتى بضمير الخطاب في قوله : (أَحَدُهُمْ) فعدل عن ضمير الخطاب إلى ضمير الغيبة على طريق الالتفات ليكونوا محكيا حالهم إلى غيرهم تعجيبا من فساد مقالتهم وتشنيعا بها إذ نسبوا لله بنات دون الذّكور وهو نقص ، وكانوا ممن يكره البنات ويحقرهنّ فنسبتها إلى الله مفض إلى الاستخفاف بجانب الإلهية.
والمعنى : أأتّخذ مما يخلق بنات الله وأصفاكم بالبنين في حال أنكم إذا بشّر أحدكم بما ضربه للرحمن مثلا ظلّ وجهه مسودّا. ويجوز أن تكون اعتراضا بين جملة (أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ) وجملة (أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ) [الزخرف : ١٨].
واستعمال البشارة هنا تهكّم بهم كقوله : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) [الانشقاق : ٢] لأن البشارة إعلام بحصول أمر مسرّ.
و (ما) في قوله : (بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً) موصولة ، أي بشر بالجنس الذي ضربه ، أي جعله مثلا وشبها لله في الإلهية ، وإذ جعلوا جنس الأنثى جزءا لله ، أي منفصلا منه فالمبشّر به جنس الأنثى ، والجنس لا يتعين. فلا حاجة إلى تقدير بشر بمثل ما ضربه للرحمن مثلا.
والمثل : الشبيه.
والضرب : الجعل والصنع ، ومنه ضرب الدينار ، وقولهم : ضربة لازب ، فما صدق