وقد ورد في حديثٍ نبوي تعبيرٌ عجيب يبيّن أهميّة العفو ، قال صلىاللهعليهوآله : «إنّه يُنادي منادٍ يوم القيامة من كان له على الله أجرٌ فليقم ، فلا يقوم إلّاالعافون ، ألم تسمعوا قوله تعالى (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ) (١). (الشورى / ٤٠)
طبعاً أنّ العفو ليس مسألة أخلاقية فقط ، بل هو مسألة اجتماعية مهمّة ، لأنّه لو بُني مجتمع معين على أساس الإنتقام وسفك الدماء لحل الجدال والنزاع الذي يحدث بينهم ولما عُرف طعمٌ للعزّة والسكينة أبداً ، لذا فقد ورد في حديثٍ نبويّ ، أنّه صلىاللهعليهوآله قال : «عليكم بالعفو فإنّ العفو لا يزيد العبد إلّاعزّاً» (٢).
واصطلاح (توّاب) هي صيغة مبالغةٍ مشتقة من مادّة (توبة) و (التوبة) ـ حسب رأي مقاييس اللغة ـ تعني (العودة والرجوع) ، وتستعمل عادةً في مجال (الرجوع عن الذنب) ، كما ورد ذلك في لسان العرب.
لكن للراغب الإصفهاني تعبير آخر في المفردات حول تفسير هذه الكلمة ، وهو : (التوبة) ترك الذنب بأفضل وجهٍ ممكن ، وقسّم الإعتذار ثلاثة أقسام :
الأول : هو أن يقول أحد : (إنني لم أرتكب هذا الذنب أبداً) ، الثاني : أن يقول : (قد فعلت ذلك ولكنْ بدليل كذا وكذا أي يُبرر فعلته) ، والثالث : أن يقول : (فعلت وأسأت ولن أفعل هذا فيما بعد) فمعنى التوبة هذا (أي الوجه الثالث) ولا رابع لها.
وعلى أيّة حال ، فعندما تختصّ هذه الصفة بالله تعالى فإنّها تعني إمّا قبول توبة العباد ، أو توفيقهم إلى التوبة ، كما قال المرحوم الكفعمي في مصباحه.
والجدير بالإنتباه أنّ كلمة (توبة) في القرآن الكريم عندما تُنسب إلى العباد تتعدّى بحرف (إلى) مثل : (تُوبُوا إِلَى اللهِ) (التحريم / ٨)
وعندما تُنسب إلى الله تتعدى عادة بحرف الجر (على).
وهذا التفاوت في التعبير يشير ظاهراً إلى نقطة لطيفة وهي : أنّ التوبة على أيّة حال تعني
__________________
(١) سفينة البحار ، ج ٢ ، ص ٢٠٨.
(٢) اصول الكافي ، ج ٢ ، ص ١٠٨ ، باب العفو ، ح ٥.