٦ ـ معرفة النعم في المصائب
لايُمكن لأحدٍ أن ينكر هذه الحقيقة ، وهي عدم معرفة الإنسان قيمة النعمة عندما يكون غارقاً فيها ، ولا يلتذ بها ، ولا يؤدّي شكرها ، وأحياناً قد لا ينتبه إلى أصل وجودها!
فلو لم يمرض الإنسان أبداً لما عرف نعمة السلامة بكل مالها من أهميّة وعظمة ، وكموهبة إلهية عظيمة.
ولو لم تهتزّ الأرض أحياناً لما عُرف قدر هذا السكون العجيب الذي يسودها طيلة السّنة ويدور في ظلّه كل شيء حول محوره.
ولا تعرف حقيقة الظلمة والنور إلّاإلى جنب بعضهما ، وإن لم تهيّج عواصف الحوادث بحر افكار الإنسان أحياناً لما فهِمَ قدْر ساعات الهدوء والسكون.
أو بتعبيرٍ أدق إنّ بعض المشاكل بمثابة ظل نور الحياة الذي لا يمكن للإنسان أن يرى شيئاً بدونه ، يقول العلماء اليوم : بأنّه (لو وُضعَ جسمٌ كرويٌّ وسُلّطَ عليه نورٌ متساوٍ من جميع الجهات لما أمكن رؤيته!) :
إنّ وعورة سطح الجسم واختلاف زوايا انعكاس النور هي التي تُمكّن الإنسان من رؤية الجسم ، وكذا النعم الإلهيّة بالضبط ، فلو كانت على وتيرةٍ واحدة وبصورة دائميّة لما أمكن معرفتها.
ومن حيث كون الله قد خلق هذه المواهب العظيمة متاعاً للإنسان من جهة ، ووسيلة للتقرب إليه من جهةٍ اخرى (عن طريق شكر النعمة) ، فمن المنطقي جدّاً أن يقبضها ويبسطها أحياناً ليتحقق الهدفان أعلاه.
ويُلاحظ وجود إشارات ظريفة وغنية في الآيات القرآنية إلى هذه الحقيقة ـ ولو بصورة غير صريحة ـ والتي تُبّين قدْر النّعمِ بالقياس مع لحظات سلبها ، ومن جُملتها :
١ ـ (قُل مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ البَرِّ وَالبَحرِ تَدعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئْن أَنجَانَا مِن هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ). (الأنعام / ٦٣)
أجَلْ ، لم يكن هؤلاء ليعرفوا قدر النور والأمن قَبلَ أن يُبتلوا بظلمات البر والبحر