وقد نقلت بعض التفاسير قصّة لطيفة في تفسير ذيل الآية (٩٠ / يونس) بخصوص فرعون تُعدُّ شاهداً حيّاً على موضوع بحثنا ، وهي : دخل جبرائيل عليهالسلام على فرعون ذات يومٍ بهيئة إنسان واشتكى إليه قائلاً : يا صاحب الجلالة! كان لي غلامٌ على سائر عبيدي ، وسلّمته مفاتح كنوزي ، فعاداني وعادى من يُحبّني وأحبَّ أعدائي ، وقربّهم إليه ، فاقض أنت بشأنه وعيّن عقوبته!
فقال فرعون : لو كان هذا غُلامي لأغرقته في البحر!
فقال جبرئيل عليهالسلام : اكتب لي هذا الأمر (الحكم) يا صاحب الجلالة (لكي استفيد من خطّك) ، فأمر فرعون باحضار دواةٍ وقلم وورقٍ فكتب : (إنني أحكم على العبد الذي يتمرّد على مولاه ويكفر بأنعُمِهِ بأن يُقتلَ غرقاً).
(انتهت هذه الحادثة) وعندما أوشك فرعون وجنوده على الغرق في البحر ، ظهر إليه جبرئيل وأراه خَطّهُ وقال له : «هذا ما حكمت بنفسك» (١).
والجدير بالذكر هو أنّه لو كان أحدٌ حاضراً في هذه الأقوام عند نزول البلاء كالعاصفة والصاعقة ، والسيل ، والزلزلة ، من دون أن يعرف شيئاً عن ماضيهم ، ويرى بأُمّ عينيه الدمار الناجم عن السيل وكيفيّة تهدُّم المنازل على رؤوس أصحابها بسبب العواصف ، وكيف تحوّل الصاعقة كُلّ شيءٍ إلى رماد في لحظة واحدة ، لتعجب ودُهِش ولأمكن أن يُشكّك في مسألة العدل الإلهي في عالم الوجود.
ولكن لو اطّلع على الحوادث السابقة وأعمال تلك الأقوام الماضية لزال شكّهُ.
وهذه فلسفة قسم من الآفات والبلايا (وسبب قولنا ـ قسمٌ ـ هو وجود فلسفة خاصّة لكل قسم من أقسام البلاء).
٣ ـ أشار القرآن الكريم في سورة سبأ إلى قصّة مفصّلة وغنيّة وموقظة بشأن قوم من اليمن ذوي تمدُّنٍ ملحوظ ، وكان هذا التمدُّن ناتجاً عن وجود سدٍّ عظيم مُحْدَثٍ بين الجبال يحصر مياه البراري والجبال ليوزعها بتنظيمٍ دقيق على المزارع والحقول ، فصارت أرضاً خصبةً مليئة بالنعم الإلهيّة (جنّة).
__________________
(١) تفسير روح البيان ، ج ٤ ، ص ٧٧.