وما في قوله (ما أَشْرَكْتُمْ) موصولة والعائد محذوف أى : ما أشرككم به ، ثم ركب ـ عليهالسلام ـ على هذا الإنكار التعجبي ما هو نتيجة له فقال : (فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ).
أى : فأى الفريقين فريق الموحدين أم فريق المشركين أحق وأولى بالأمن من لحوق الضرر به ، إن كنتم تعلمون ذلك فأخبرونى به وأظهروه بالدلائل والحجج. فجواب الشرط محذوف تقديره أخبرونى بذلك.
وهذا لون من إلجائهم إلى الاعتراف بالحق إن كانوا ممن يعقل أو يسمع ، وحث لهم على الإجابة.
قال صاحب المنار : «ونكتة عدوله عن قوله «فأينا أحق بالأمن» إلى قوله «فأى الفريقين» هي بيان أن هذه المقابلة عامة لكل موحد ومشرك من حيث إن أحد الفريقين موحد والآخر مشرك ، لا خاصة به وبهم ، فهي متضمنة لعلة الأمن. وقيل إن نكتته الاحتراز عن تزكية النفس ، واسم التفضيل على غير بابه ، فالمراد أينا حقيق بالأمن ، ولكنه عبر باسم التفضيل ناطقا في استنزالهم عن منتهى الباطل وهو ادعاؤهم أنهم هم الحقيقون بالأمن وأنه الحقيق بالخوف إلى الوسط النظري بين الأمرين ؛ وهو أى الفريقين أحق ، واحترازا عن تنفيرهم من الإصغاء إلى قوله كله» (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ من هو الفريق الأحق بالأمن فقال ـ تعالى ـ :
(الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) أى : الذين آمنوا ولم يخلطوا إيمانهم بأى لون من ألوان الشرك كما يفعله فريق المشركين حيث إنهم عبدوا الأصنام وزعموا أنهم ما عبدوها إلا ليتقربوا بها إلى الله زلفى ، أولئك المؤمنون الصادقون لهم الأمن دون غيرهم لأنهم مهتدون إلى الحق وغيرهم في ضلال مبين.
هذا وقد وردت أحاديث صحيحة فسرت الظلم في هذه الآية بالشرك ، ومن ذلك ما رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود قال : لما نزلت (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ) قال الصحابة : وأينا لم يظلم نفسه؟ فنزلت (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) ، وروى الإمام أحمد عن ابن مسعود قال : لما نزلت هذه الآية (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ) شق ذلك على الناس فقالوا يا رسول الله : فأينا لا يظلم نفسه؟ قال : «إنه ليس الذي تعنون. ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) إنما هو الشرك».
__________________
(١) تفسير المنار ج ٧ ص ٢٧٩.