والقتل ، لأن من عواقب ذلك اللبس التقاتل والتصارع. وفي هاتين الجملتين تصوير مؤثر للعذاب الذي يذوقه الناس بحواسهم إذ يجعلهم ـ سبحانه ـ شيعا وأحزابا غير منعزل بعضها عن بعض ، فهي أبدا في جدال وصراع وفي خصومة ونزاع ، وفي بلاء يصبه هذا الفريق على ذاك ، وذلك أشنع ما تصاب به الجماعة فيأكل بعضها بعضا.
ثم تختم الآية بهذا التعبير الحكيم (انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ).
أى : انظر وتدبر ـ أيها الرسول الكريم ـ أو أيها العاقل كيف ننوع الآيات والعبر والعظات بالترغيب تارة وبالترهيب أخرى لعلهم يفقهون الحق ويدركون حقيقة الأمر ، فينصرفوا عن الجحود والمكابرة ، ويكفوا عن كفرهم وعنادهم.
هذا ، وقد ساق ابن كثير عقب تفسير هذه الآية جملة (١) من الأحاديث منها ما رواه الإمام مسلم عن سعد بن أبى وقاص أنه أقبل مع النبي صلىاللهعليهوسلم ذات يوم من العالية ، حتى إذا مر بمسجد بنى معاوية دخل فركع فيه ركعتين وصلينا معه. ودعا ربه طويلا ثم انصرف إلينا فقال : سألت ربي ثلاثا فأعطانى ثنتين ومنعني واحدة. سألت ربي أن لا يهلك أمتى بالسّنة فأعطانيها ، وسألته أن لا يهلك أمتى بالغرق فأعطانيها ، وسألت ربي أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها».
بعد هذا التهديد الشديد للمعاندين اتجه القرآن إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم فأمره أن يصارح قومه بسوء مصيرهم إذا ما استمروا في ضلالهم فقال :
(وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُ) أى : وكذب جمهور قومك بهذا العذاب الذي حدثناك عنه فظنوا أن الله لن يعذبهم بسبب إعراضهم عن دعوتك ، أو كذبوا بهذا القرآن الذي هو معجزتك الكبرى.
والتعبير عنهم بقومك تسجيل عليهم بسوء المعاملة لمن هو من أنفسهم وجملة (وَهُوَ الْحَقُ) مستأنفة لقصد تحقيق القدرة على بعث العذاب عليهم ، أو حال من الهاء في به ، أى : كذبوا حال كونه حقا ، وهو أعظم في القبح قل لهم ـ يا محمد ـ (لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) أى : لم يفوض إلى أمركم فأمنعكم من التكذيب وأجبركم على التصديق ، فأنا لست بقيم عليكم وإنما أنا منذر وقد بلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكنكم لا تحبون الناصحين.
ثم ختم هذا التهديد بقوله ـ تعالى ـ (لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ).
قال الراغب : «النبأ : خبر ذو فائدة عظيمة يحصل به علم أو غلبة ظن ولا يقال للخبر نبأ حق يتضمن هذه الأشياء الثلاثة».
__________________
(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٢ ص ١٤٠ وما بعدها.