ـ تعالى ـ لا ينالهم برحمة في الآخرة لأنه لم يعطهم في الدنيا مثل ما أعطاكم من مال وبنين وسلطان.
وهنا ينادى مناد من قبل الله ـ تعالى ـ على هؤلاء الفقراء فيقول لهم : (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ).
أى : ادخلوا الجنة لا خوف عليكم مما يكون في المستقبل ، ولا أنتم تحزنون على ما خلفتموه في الدنيا.
وقيل : إن قوله ـ تعالى ـ : (ادْخُلُوا). من كلام أصحاب الأعراف ـ أيضا ، فكأنهم التفتوا إلى أولئك المشار إليهم من أهل الجنة وقالوا لهم : امكثوا في الجنة غير خائفين ولا محزونين على أكمل سرور وأتم كرامة.
ثم تسوق لنا السورة الكريمة بعد ذلك مشهدا ختاميا من مشاهد يوم القيامة تدور محاوراته بين أصحاب الجنة وأصحاب النار فتقول :
(وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ ، قالُوا إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ* الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا ، وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ).
إفاضة الماء : صبه ، ومادة الفيض فيها معنى الكثرة.
والمعنى : أن أهل النار ـ بعد أن أحاط بهم العذاب المهين ـ أخذوا يستجدون أهل الجنة بذلة وانكسار فيقولون لهم : أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله من طعام ، لكي نستعين بهما على ما نحن فيه من سموم وحميم.
وهنا يرد عليهم أهل الجنة بما يقطع آمالهم بسبب أعمالهم فيقولون لهم : إن الله منع كلا منهما على الكافرين ، الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا ، أى الذين اتخذوا دينهم ـ الذي أمرهم الله باتباع أوامره واجتناب نواهيه ـ مادة للسخرية والتلهي ، وصرف الوقت فيما لا يفيد ، فأصبح الدين ـ في زعمهم ـ صورة ورسوما لا تزكى نفسا ، ولا تطهر قلبا ، ولا تهذب خلقا وهم فوق ذلك قد غرتهم الحياة الدنيا ـ أى شغلتهم بمتعها ولذائذها وزينتها عن كل ما يقربهم إلى الله ، ويهديهم إلى طريقه القويم.
وقوله ـ تعالى ـ : (فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا) معناه فاليوم نفعل بهم فعل الناسي بالمنسى من عدم الاعتناء بهم وتركهم في النار تركا كليا بسبب تركهم الاستعداد لهذا اليوم ، وبسبب جحودهم لآياتنا التي جاءتهم بها أنبياؤهم.