بعث رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ، وشرعه واحد لا اختلاف فيه ولا افتراق. فمن اختلف فيه (وَكانُوا شِيَعاً) أى : فرقا كأهل الأهواء والملل والنحل والضلالات ، فإن الله قد برأ رسوله منهم. وهذه الآية كقوله تعالى : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ). الآية.
وفي الحديث : «نحن معاشر الأنبياء أولاد علات. ديننا واحد» فهذا هو الصراط المستقيم ، وهو ما جاءت به الرسل من عبادة الله وحده والتمسك بشريعة الرسول المتأخر ، وما خالف ذلك فضلالات وجهالات وآراء وأهواء ، والرسل برآء منها كما قال ـ تعالى ـ (لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ لطفه في حكمه ، وفضله على عباده ، بمناسبة الحديث عن الجزاء فقال : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها).
أى : من جاء يوم القيامة بالأعمال الحسنة. فله عشر حسنات أمثالها في الحسن ، فضلا من الله ـ تعالى ـ وكرما.
قال بعضهم : وذلك ـ ولله المثل الأعلى ـ كمن أهدى إلى سلطان عنقود عنب يعطيه بما يليق بسلطنته لا قيمة العنقود. والعشر أقل ما وعد من الأصناف ، وقد جاء الوعد بسبعين وبسبعمائة وبغير حساب ، ولذلك قيل : المراد بذكر العشر بيان الكثرة لا الحصر في العدد الخاص.
(وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ) أى : بالأعمال السيئة (فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها) أى : فلا يجزى بحكم الوعد إلا بمثلها في العقوبة واحدة بواحدة (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) بنقص الثواب وزيادة العقاب. فإن ربك لا يظلم أحدا.
وقد وردت أحاديث كثيرة في معنى الآية منها ما رواه الشيخان عن أبى هريرة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «يقول الله ـ تعالى ـ : إذا أراد عبدى أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها فإن عملها فاكتبوها بمثلها. وإن تركها من أجلى فاكتبوها له حسنة ، وإذا أراد أن يعمل حسنة فلم يعملها فاكتبوها له حسنة. فإن عملها فاكتبوها له بعشر أمثالها إلى سبعمائة».
ثم ختمت السورة الكريمة بخمس آيات جامعة لوجوه الخير ، من تأملها تجلى له أنها ختام حكيم يناسب هذه السورة التي هي سورة البلاغ والإعلان ، والمبادئ العليا لدعوة الإيمان.
أما الآيات الخمس فهي قوله ـ تعالى ـ :
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ١٩٦.