أى : أنه ـ سبحانه ـ عالم بكل المعلومات ، فلو كان له ولد فلا بد أن يتصف بصفاته ومنها عموم العلم ، وهو منفي عن غيره بالإجماع.
وبعد أن أبطل ـ سبحانه ـ الشرك ونعى على معتنقيه سوء تفكيرهم ، دعا المكلفين إلى إخلاص العبودية لله وحده فقال ـ تعالى ـ :
(ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ).
أى ذلكم الموصوف بما سمعتم من جلائل الصفات هو الله ربكم لا من زعمتم من الشركاء ، فأخلصوا له العبادة فهو ـ سبحانه ـ الخالق لكل شيء وما عداه فهو مخلوق يجب أن يعبد خالقه.
وقوله (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) أى وهو مع تلك الصفات الجليلة رقيب على عباده حفيظ عليهم ، يدبر أمرهم ، ويتولى جميع شئونهم.
وقوله : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) جملة مستأنفة إما مؤكدة لقوله (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) ذكرت للتخويف بأنه رقيب من حيث لا يرى فيجب أن يخاف ويحذر ، وأما مؤكدة أعظم تأكيد لما تقرر قبل من تنزهه وتعاليمه عما وصفه به المشركون ، ببيان أنه لا تراه الأبصار المعبودة وهي أبصار أهل الدنيا لجلاله وكبريائه وعظمته. فكيف يكون له ولد؟.
والإدراك : اللحاق والوصل إلى الشيء والإحاطة به. والأبصار جمع بصر يطلق ـ كما قال الراغب ـ على الجارحة الناظرة وعلى القوة التي فيها.
والمعنى : لا تحيط بعظمته وجلاله على ما هو عليه ـ سبحانه ـ أبصار الخلائق ، أو لا تدركه الأبصار إدراك إحاطة بكنهه وحقيقته فإن ذلك محال والإدراك بهذا المعنى أخص من الرؤية التي هي مجرد المعاينة ، فنفيه لا يقتضى نفى الرؤية ، لأن نفى الأخص لا يقتضى نفى الأعم فأنت ترى الشمس والقمر ولكنك لا تدرك كنههما وحقيقتهما.
هذا ، وهناك خلاف مشهور بين أهل السنة والمعتزلة في مسألة رؤية الله ـ تعالى ـ في الآخرة.
أما أهل السنة فيجيزون ذلك ويستشهدون بالكتاب والسنة ، فمن الكتاب قوله ـ تعالى ـ (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ* إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) ومن السنة ما رواه الشيخان عن جرير بن عبد الله البجلي قال : كنا جلوسا عند النبي صلىاللهعليهوسلم إذ نظر إلى القمر ليلة البدر وقال : «إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر ، لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا عن صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا ثم قرأ (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ).