بها علة من مرض أو غيره. قيل : إنه كان لها شعاع يغلب ضوء الشمس.
قال الآلوسى : قوله (فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ) أى : بيضاء بياضا نورانيا خارجا عن العادة يجتمع عليه النظار. وقيل المعنى : بيضاء لأجل النظار لا أنها بيضاء في أصل خلقتها ، لأنه ـ عليهالسلام ـ كان آدم ـ أى أسمر ـ شديد الأدمة فقد أخرج البخاري عن عبد الله بن عمر قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «وأما موسى فآدم جثيم سبط كأنه من رجال الزط» وعنى صلىاللهعليهوسلم بالزط جنسا من السودان والهنود» (١).
وبذلك يكون موسى قد أتى بالبينة التي تدعو فرعون وملأه إلى الإيمان به فهل آمنوا؟ كلا إنهم ما آمنوا بل استمروا في ضلالهم ، وحكى لنا القرآن أن حاشية فرعون السيئة ، وأصحاب الجاه والغنى في دولته غاظهم ما جاء به موسى ، يدل على ذلك قوله ـ تعالى ـ (قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ).
أى : قال الأشراف من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم ، أى : راسخ في علم السحر ، ماهر فيه. ولم يكتفوا بهذا القول الباطل ، بل أخذوا يثيرون الناس على موسى ، ويهولون لهم الأمر ليقفوا في وجهه فقالوا (يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَما ذا تَأْمُرُونَ).
أى : يريد هذا الساحر أن يسلب منكم ملككم ، وأن يصبح هو ملكا على مصر ، فماذا تأمرون لاتقاء هذا الخطر الداهم؟ وبما ذا تشيرون في أمره؟ فهو من الأمر بمعنى المشاورة. يقال : آمرته فآمرنى. أى : شاورته فأشار على.
قال صاحب الكشاف : فإن قلت قد عزى هذا الكلام إلى فرعون في سورة الشعراء حيث قال : (قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ) أى قال فرعون للملأ حوله (إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ. يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَما ذا تَأْمُرُونَ؟) وهنا عزى إلى الملأ فكيف الجمع ، قلت : قد قاله هو وقالوه هم فحكى قوله هناك وقولهم هاهنا. أو قاله ابتداء فتلقفه منه الملأ فقالوه لأعقابهم. أو قالوه عنه للناس عن طريق التبليغ كما يفعل الملوك ، يرى الواحد منهم الرأى فيكلم به من يليه من الخاصة ، ثم تبلغه الخاصة العامة ... وقولهم : (فَما ذا تَأْمُرُونَ) من أمرته فأمرنى بكذا إذا شاورته فأشار عليك برأى : وقيل : (فَما ذا تَأْمُرُونَ) من كلام فرعون ، قاله للملأ لما قالوا له : إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم «كأنه قيل : فماذا تأمرون؟ فأجابوه : أرجه وأخاه ..» (٢).
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٨ ص ٢١.
(٢) تفسير الكشاف ج ٢ ص ١٣٩.