ذلك المثل البعيد الشأن في الغرابة مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا من الجاحدين المستكبرين المنسلخين عن الهدى بعد أن كان في حوزتهم.
وقوله (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) أى : إذا ثبت ذلك ، فاقصص على قومك أيها الرسول الكريم المقصوص عليك من جهتنا لعلهم يتفكرون فينزجرون عما هم عليه من الكفر والضلال.
والفاء في قوله (فَاقْصُصِ) لترتيب ما بعدها على ما قبلها. والقصص مصدر بمعنى اسم المفعول ، واللام فيه للعهد ، وجملة الترجي في محل نصب على أنها حال من ضمير المخاطب أو في موضع المفعول له. أى فاقصص القصص راجيا لتفكرهم ، أو رجاء لتفكرهم.
وقوله : (ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) استئناف مسوق لبيان كمال قبحهم بعد البيان السابق. و (ساءَ) بمعنى بئس وفاعلها مضمر. و (مَثَلاً) تمييز مفسر له ، والمخصوص بالذم قوله ـ تعالى ـ (الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا).
أى : ساء مثلا مثل أولئك القوم الذين كذبوا بآياتنا حيث شبهوا بالكلاب إما في استواء الحالتين في النقصان وأنهم ضالون وعظوا أم لم يوعظوا ، وإما في الخسة ، فإن الكلاب لا همة لها إلا في تحصيل أكلة أو شهوة ، فمن خرج عن خير الهدى والعلم وأقبل على هواه صار شبيها بالكلب ، وبئس المثل مثله ولهذا ثبت في الصحيحين عن ابن عباس أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «ليس لنا مثل السوء. العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه».
وقوله (وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ) معطوف على (كَذَّبُوا) داخل معه في حكم الصلة بمعنى أنهم جمعوا بين أمرين قبيحين : التكذيب وظلمهم أنفسهم أو منقطع عنه بمعنى وما ظلموا إلا أنفسهم وحدها بارتكابهم تلك الموبقات والخطيئات. فإن العقوبة لا تقع إلا عليهم لا على غيرهم.
هذا ، والذي ذهب إليه المحققون من العلماء أن هذه الآيات الكريمة المثل فيها مضروب لكل إنسان أوتى علما ببعض آيات الله ، ولكنه لم يعمل بمقتضى علمه ، بل كفر بها ونبذها وراء ظهره وصار هو والجاهل سواء.
وقيل : إن الآيات الكريمة واردة في شخص معين ، واختلفوا في هذا المعين.
فبعضهم قال إنها في أمية بن أبى الصلت ، فإنه كان قد قرأ الكتب ، وعلم أن الله مرسل رسولا وتمنى أن يكون هو هذا الرسول ، فلما أرسل الله ـ تعالى ـ نبيه محمدا صلىاللهعليهوسلم حسده ومات كافرا.