ثم بين ـ سبحانه ـ حالة المتقين فقال (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا).
طائف من الطواف والطواف بالشيء أى : الاستدارة به أو حوله. يقال : طاف بالشيء إذا دار حوله. والمراد به هنا وسوسة الشيطان وهمزاته.
أى : إن الذين اتقوا الله ـ تعالى ـ وصانوا أنفسهم عن كل ما يغضبه إذا مسهم شيء من وسوسة الشيطان ونزغاته التي تلهيهم عن طاعة الله ومراقبته (تَذَكَّرُوا) أى : تذكروا أن المس إنما هو من عدوهم الشيطان فعادوا سريعا إلى طاعة الله ، وإلى خوف مقامه ونهوا أنفسهم عن اتباع همزات الشياطين.
والجملة الكريمة مستأنفة مقررة لما قبلها من الأمر ببيان أن الاستعاذة سنة مسلوكة للمتقين ، وأن الإخلال بها من طبيعة الضالين.
وفي قوله (إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ) إشعار بعلو منزلتهم ، وقوة إيمانهم ، وسلامة يقينهم لأنهم بمجرد أن تطوف بهم وساوس الشيطان أو بمجرد أن يمسهم شيء منه فإنهم يتذكرون عداوته ، فيرجعون سريعا إلى حمى ربهم يستجيرون به ويتوبون إليه.
وفي التعبير عن الوسوسة بالطائف إشعار بأنها وإن مست هؤلاء المتقين فإنها لا تؤثر فيهم ، لأنها كأنها طافت حولهم دون أن تصل إليهم.
وقوله (فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ) أى : فإذا هم مبصرون مواقع الخطأ ، وخطوات الشيطان ، فينتهون عنها.
وفي هذه الآية الكريمة ما يهدى العقول ، ويطب النفوس ، إذ هي تبين لنا أن مس الشيطان قد يغلق بصيرة الإنسان عن كل خير ، ولكن التقوى هي التي تفتح هذه البصيرة ، وهي التي تجعل الإنسان دائما يقظا متذكرا لما أمره الله به أو نهاه عنه ، فينتصر بذلك على وساوس الشيطان وهمزاته وتبقى لهم بصيرتهم على أحسن ما تكون صفاء ونقاء وكشفا.
أما الذين لم يتقوا الله ، ولم يلجئوا إلى حماه ، ولم يخالفوا الشيطان فقد عبر عنهم القرآن بقوله : (وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ).
يمدونهم من المد ، وهو الزيادة يقال : مده يمده أى : زاده. والغي : الضلال ، مصدر غوى يغوى غيا وغواية.
أى : وإخوان الشياطين من المشركين والغافلين تزيدهم الشياطين من الضلال عن طريق الوسوسة والإغراء بارتكاب المعاصي والموبقات (ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ) أى : ثم لا يكف هؤلاء