الخبيث من الطيب. فدعهم يا محمد وما يفترون من الكفر وغيره من ألوان الشرور ، فسوف يعلمون سوء عاقبتهم.
وقوله : (وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ). معطوف على (غُرُوراً) فيكون علة أخرى للإيحاء ، والضمير في (إِلَيْهِ) يعود إلى زخرف القول.
وأصل الصغو : الميل. يقال : صغا يصغو ويصغى صغوا ، وصغى يصغى صغا أى : مال ، وأصغى إليه مال إليه يسمعه ، وأصغى الإناء : أماله. ويقال : صغت الشمس والنجوم صغوا : مالت إلى الغروب.
والمعنى : يوحى بعضهم إلى بعضهم زخرف القول ليغروا به الضعفاء ، ولتميل إلى هذا الزخرف الباطل من القول قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة لموافقته لأهوائهم وشهواتهم.
وخص عدم إيمانهم بالآخرة بالذكر ـ مع أنهم لا يؤمنون بأمور أخرى يجب الإيمان بها ـ لأن من لم يؤمن بالآخرة وما فيها من ثواب وعقاب يمشى دائما وراء شهواته وأهوائه ولا يتبع إلا زخرف القول وباطله.
ثم بين ـ سبحانه ـ تدرجهم السيئ في هذا العمل الأثيم فقال : (وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ).
أى : وليرضوا هذا الفعل الخبيث لأنفسهم بعد أن مالت إليه قلوبهم ، وليقترفوا ما هم مقترفون أى : وليكتسبوا ما هم مكتسبون من الأعمال السيئة فإن الله ـ تعالى ـ سيجازيهم عليها بما يستحقونه.
وأصل القرف والاقتراف. قشر اللحاء عن الشجر ، والجلدة عن الجرح. واستعير الاقتراف للاكتساب مطلقا ولكنه في الإساءة أكثر. فيقال : قرفته بكذا إذا عبته واتهمته.
قال أبو حيان : وترتيب هذه المفاعيل في غاية الفصاحة ، لأنه أولا يكون الخداع ، فيكون الميل ، فيكون الرضا ، فيكون الاقتراف ، فكل واحد مسبب عما قبله (١).
ثم أمر الله ـ تعالى ـ رسوله صلىاللهعليهوسلم أن يصارح المشركين بأن الله وحده هو الحكم الحق ، وإن كتابه هو الآية الكبرى الدالة على صدقه فيما يبلغه عنه فقال ـ تعالى ـ :
__________________
(١) تفسير أبى حيان ج ٤ ص ٤٠٨.