ثم أورد الآلوسى بعد ذلك ما رد به كل فريق على الآخر مما لا مجال لذكره هنا (١).
والذي نراه أن رؤية الله في الآخرة ممكنة كما قال أهل السنة لورود الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة التي تشهد بذلك ، أما في الدنيا فقد منع العلماء وقوعها ، وقد بينا ذلك بشيء من التفصيل عند تفسيرنا لقوله ـ تعالى ـ (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) (٢).
ثم حكى القرآن بعد ذلك ما كرم الله ـ تعالى ـ به موسى ـ عليهالسلام فقال : (قالَ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي).
الاصطفاء. افتعال من الصفوة ، وصفوة الشيء خالصه وخياره أى : قال الله تعالى ـ لموسى إنى اخترتك واجتبيتك على الناس الموجودين في زمانك لأن الرسل كانوا قبل موسى وبعده ، فهو اصطفاء على جيل معين من الناس بحكم هذه القرينة.
وقوله (بِرِسالاتِي) أى : بأسفار التوراة ، أو بإرسالى إياك إلى من أرسلت إليهم. و (بِكَلامِي) أى : بتكليمى إياك بغير واسطة قال ـ تعالى ـ (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً).
والجملة الكريمة مسوقة لتسليته ـ عليهالسلام ـ عما أصابه من عدم الرؤية فكأنه ـ سبحانه ـ يقول له : إن منعتك الرؤية فقد أعطيتك من النعم العظام ما أعطيتك فاغتنمه ودم على شكرى.
وقدم الرسالة على الكلام لأنها أسبق ، أو ليترقى إلى الأشرف.
ثم قال ـ تعالى ـ (فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) أى : فخذ يا موسى ما أعطيتك من شرف الاصطفاء والنبوة والمناجاة وكن من الراسخين في الشكر على ما أنعمت به عليك ، فأنت أسوة وقدوة لأهل زمانك.
(وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ) (١٤٥)
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٩ من ص ٤٦ ـ ٥٥.
(٢) راجع تفسير سورة الأنعام ص ٢٢٨.