مضموم إليها ، فهو زيادة حكم من الله على لسان نبيه. على هذا أكثر أهل العلم من أهل النظر والفقه والأثر» (١).
والخلاصة : أن الآية الكريمة ليس المقصود منها حصر المحرمات في هذه الأربعة وإنما المقصود منها الرد على مزاعم المشركين ، وذلك أن الكفار. كما قال الإمام الشافعى ـ لما حرموا ما أحل الله وأحلوا ما حرمه الله وكانوا على المضادة والمحادة جاءت الآية مناقضة لغرضهم ، فكأنه قال ـ سبحانه ـ لا حلال إلا ما حرمتموه ولا حرام إلا ما أحللتموه ، نازلا منزلة من يقول : لا تأكل اليوم حلاوة. فتقول : لا آكل اليوم إلا الحلاوة ، والغرض المضادة لا للنفي والإثبات على الحقيقة.
فهو ـ تعالى ـ لم يقصد حل ما وراء الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به ، إذ القصد إثبات التحريم لا إثبات الحل.
قال امام الحرمين : وهذا في غاية الحسن ، ولو لا سبق الشافعى إلى ذلك لما كنا نستجيز مخالفة مالك ـ رضى الله عنه ـ في حصر المحرمات فيما ذكرته الآية» (٢).
وفي حكم هذه الآية وتأويلها أقوال أخرى بسطها العلماء فارجع إليها إذا شئت (٣).
ثم بين ـ سبحانه ـ بعد ذلك ما حرمه الله على اليهود بسبب ظلمهم وبغيهم فقال ـ تعالى ـ (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ).
فقوله ـ تعالى ـ (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا) بيان لما حرمه الله ـ تعالى ـ على بنى إسرائيل جزاء ظلمهم ، وفي هذا البيان رد على اليهود ، وتكذيب لهم ، إذ زعموا أن الله لم يحرم عليهم شيئا ، وإنما هم حرموا على أنفسهم ما حرمه إسرائيل على نفسه ، فجاءت هذه الآية الكريمة لتبين بعض ما حرمه الله عليهم من الطيبات ـ التي كانت حلالا لهم ـ بسبب فسقهم وطغيانهم.
والمراد بقوله تعالى (كُلَّ ذِي ظُفُرٍ) ما ليس بمنفرج الأصابع من البهائم والطير ، كالإبل والنعام والأوز والبط ، كما روى عن ابن عباس وسعيد ابن جبير وقتادة.
قال الإمام الرازي : قوله ـ تعالى ـ : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ) يفيد تخصيص هذه الحرمة بهم من وجهين :
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ٧ ص ١١٦.
(٢) الإتقان في علوم القرآن ج ١ ص ٨٤ للسيوطي.
(٣) راجع تفسير القرطبي ج ٧ ص ١١٥ وما بعدها وتفسير المنار ج ٨ ص ٢٤٩ وما بعدها.