وقد أفرد ـ سبحانه ـ الصراط المستقيم وهو سبيل الله ، وجمع السبل المخالفة له لأن الحق واحد والباطل ما خالفه وهو كثير فيشمل الأديان الباطلة ، والبدع الفاسدة ، والشبهات الزائفة ، والفرق الضالة وغيرها.
ثم ختمت الآية بقوله ـ تعالى ـ (ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) أى : ذلكم المذكور من اتباع سبيله ـ تعالى ـ وترك اتباع السبل وصاكم الله به لعلكم تتقون اتباع سبل الكفر والضلالة ، وتعملون بما جاءكم به هذا الدين.
قال أبو حيان : ولما كانت الخمسة المذكورة في الآية الأولى من الأمور الظاهرة الجليلة مما يجب تعلقها وتفهمها ختمت الآية بقوله (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) ، ولما كانت الأربعة المذكورة في الآية الثانية خافية غامضة ولا بد فيها من الاجتهاد والتفكر حتى يقف الإنسان فيها على موضع الاعتدال ختمت بقوله : (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) ولما كان الصراط المستقيم هو الجامع للتكاليف ، وأمر ـ سبحانه ـ باتباعه ونهى عن اتباع السبل المختلفة ختم ذلك بالتقوى التي هي اتقاء النار ، إذ من اتبع صراطه نجا النجاة الأبدية وحصل على السعادة السرمدية» (١).
وبعد : فهذه هي الوصايا العشر التي جاءت بها هذه الآيات الكريمة ، والمتأمل فيها يراها قد وضعت أساس العقيدة السليمة في توحيد الله ـ تعالى ـ وبنت الأسرة الفاضلة على أساس الإحسان بالوالدين والرحمة بالأبناء ، وحفظت المجتمع من التصدع عن طريق تحريمها لانتهاك الأنفس والأموال والأعراض ، ثم ربطت كل ذلك بتقوى الله التي هي منبع كل خير وسبيل كل فلاح.
فأين المسلمون اليوم من هذه الوصايا؟ إنهم لو عملوا بها لعزوا في دنياهم ولسعدوا في أخراهم ، فهل تراهم فاعلون؟.
اللهم خذ بيدنا إلى ما يرضيك وجنبنا مالا يرضيك.
ولما كان هذا الصراط قديما ، والديانات قبله كانت في اتجاهه ، أشار ـ سبحانه ـ إلى موسى وكتابه ، وبين منزلة هذا القرآن ، وأمر الناس باتباعه فقال :
(ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ
__________________
(١) البحر المحيط لأبى حيان ج ٤ ص ٢٥٤.