ثم بين ـ سبحانه ـ بعد ذلك ألوانا من المحرمات التي نهى عباده عن اقترافها فقال تعالى :
(قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) (٣٣)
والمعنى : قل يا محمد لهؤلاء الذين ضيقوا على أنفسهم ما وسعه الله ، قل لهم : إن ما حرمه الله عليكم في كتبه وعلى ألسنة رسله هو هذه الأنواع الخمس التي أولها (الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ) ، أى : ما كان قبيحا من الأقوال والأفعال سواء أكان في السر أو العلن ، وثانيها وثالثها (الْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِ) والإثم : هو الشيء القبيح الذي فعله يعتبر معصية ، والبغي : هو الظلم والتطاول على الناس وتجاوز الحد.
قال الإمام ابن كثير : «وحاصل ما فسر به الإثم أنه الخطايا المتعلقة بالفاعل نفسه ، والبغي هو التعدي على الناس ، فحرم الله هذا وهذا» (١).
وقيد البغي بكونه بغير الحق ، لأنه لا يكون إلا كذلك. إذ معناه في اللغة تجاوز الحد. يقال : بغى الجرح. إذ تجاوز الحد في فساده.
وقيل قيده بذلك ليخرج البغي على الغير في مقابلة بغيه ، فإنه يسمى بغيا في الجملة. لكنه بحق ، وهو قول ضعيف لأن دفع البغي لا يسمى بغيا ، وإنما يسمى انتصافا من الظالم ، ولذا قال القرآن : (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ).
وقيل إن القيد هنا لإخراج الأمور التي ليس لهم فيها حقوق ، أو التي تطيب أنفسهم فيها عن بعض حقوقهم فيبذلونها عن رضى وارتياح لمنفعة أو مصلحة لهم يرجونها ببذلها.
ورابع الأمور التي حرمها الله أخبر عنه القرآن بقوله : (وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً).
أى : وحرم عليكم أن تجعلوا لله شركاء في عبادته بدون حجة وبرهان. وقوله : (ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً) بيان للواقع من شركهم ، إذ أنهم لا حجة عندهم على شركهم : لا من العقل ولا من النقل ، فالجملة الكريمة قد اشتملت على التهكم بالمشركين وتوبيخهم على كفرهم.
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ١٢٢.