وهو رد من المؤمنين المستضعفين يدل على شجاعتهم في الجهر بالحق وعلى قوة إيمانهم ، وسلامة يقينهم.
وقوله : (لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ) بدل من (لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا) بإعادة الجار بدل كل من كل ، والضمير في (مِنْهُمْ) يعود على قوم صالح.
وهنا يعلن المستكبرون عن موقفهم في عناد ، وصلف وجحود ، واستمع إلى القرآن وهو يحكى ذلك فيقول : (قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ).
أى : قال المستكبرون ردا على المؤمنين الفقراء : إنا بما آمنتم به كافرون ، ولم يقولوا إنا بما أرسل به كافرون ، إظهارا لمخالفتهم إياهم ، وردا على مقالتهم (إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ).
قال صاحب الانتصاف : ولو طابقوا بين الكلامين لكان مقتضى المطابقة أن يقولوا ، بما أرسل به كافرون ولكنهم أبوا ذلك حذرا مما في ظاهره من إثباتهم لرسالته ، وهم يجحدونها ، وقد يصدر مثل ذلك على سبيل التهكم ، كما قال فرعون : إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون ، فأثبت إرساله تهكما ، وليس المقام هنا مقام التهكم ، فإن الغرض إخبار كل واحد من الفريقين المؤمنين والمكذبين عن حاله ، فرد كل فريق على الآخر بما يناسبه» (١).
ثم أتبع المستكبرون قولهم القبيح بفعل أقبح يتجلى في قوله ـ تعالى ـ عنهم : (فَعَقَرُوا النَّاقَةَ) أى : نحروها وأصل العقر : قطع عرقوب البعير ، ثم استعمل في النحر ، لأن ناحر البعير يعقره ثم ينحره.
أى : عقروا الناقة التي جعلها الله حجة لنبيه صالح ـ عليهالسلام ـ والتي قال لهم صالح في شأنها : (لا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ).
وأسند العقر إلى جميعهم لأنه كان برضاهم ، وإن لم يباشره إلا بعضهم ، ويقال للقبيلة الكبيرة أنتم فعلتم كذا مع أن الفاعل واحد منهم ، لكونه بين أظهرهم.
وقوله : (وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ) أى : استكبروا عن امتثال أوامره واجتناب نواهيه. من العتو وهو النبو ، أى : الارتفاع عن الطاعة والتكبر عن الحق والغلو في الباطل. يقال : عتا يعتو عتيا ، إذا تجاوز الحد في الاستكبار. فهو عات وعتى.
وقد اختار القرآن كلمة (عَتَوْا) لإبراز ما كانوا عليه من تجبر وتبجح وغرور خلال اقترافهم
__________________
(١) الانتصاف على الكشاف ج ٨ ص ١٢٣ لابن المنبر.