وقيل : المراد بكل أمة أمم الفكر لأن الكلام فيهم. والمراد بعملهم. شرورهم ومفاسدهم. والمشبه به تزيين سب الله ـ تعالى ـ لهم.
أى : كما زينا لهؤلاء المشركين سوء أعمالهم زينا لكل أمة من الأمم الماضية على الضلال عملهم السيئ.
قال الآلوسى : «وقد استدل بالآية على أنه ـ تعالى ـ هو الذي زين للكافر كفره كما زين للمؤمن إيمانه. وأنكر ذلك المعتزلة فتأولوا الآية بما لا يخفى ضعفه».
وقال صاحب المنار : فظهر بهذا التزيين أثر لأعمال اختيارية لا جبر فيها ولا إكراه وليس المراد به أن الله خلق في قلوب بعض الأمم تزيينا للكفر والشر ، وفي قلوب بعضها الآخر تزيينا للإيمان والخير خلقا ابتدائيا من غير أن يكون لهم عمل اختياري نشأ عنه ذلك ، إذ لو كان الأمر كما ذكر لكان الإيمان والكفر والخير والشر من الغرائب الخلقية التي تعد الدعوة إليها والترغيب فيها وما يقابلهما من النهى والترهيب عنها من العبث الذي يتنزه الله عن إرسال الرسل وإنزال الكتب لأجله. وقد غفلت المعتزلة عن هذا التحقيق فأول بعضهم الآية بأنها خاصة بالمؤمنين الذين زين الله في قلوبهم الإيمان ، وبعضهم بغير ذلك» (١).
ثم ختم الله ـ تعالى ـ الآية بقوله : (ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) أى : ثم إلى ربهم أمورهم ورجوعهم ومصيرهم بعد البعث ، فيخبرهم من غير تسويف أو تأخير بما كانوا يعملونه في الدنيا ، ويجازيهم على ذلك بما يستحقونه. وفي هذه الجملة الكريمة تهديد وتوبيخ لأولئك المشركين الذين تجاسروا على مقام الله ، وزين لهم سوء أعمالهم فرأوه حسنا.
ثم حكى القرآن بعض المقترحات المتعنتة التي كان يقترحها المشركون على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ).
الجهد : الوسع والطاقة من جهد نفسه يجهدها في الأمر إذا بلغ أقصى وسعها وطاقتها فيه.
وهو مصدر في موضع الحال.
أى : وأقسم أولئك المشركون بالله مجتهدين في أيمانهم ، مؤكدين إياها بأقصى ألوان التأكيد ، معلنين أنهم لئن جاءتهم آية من الآيات الكونية التي اقترحوها عليك يا محمد ليؤمنن بها أنها من عند الله وأنك صادق فيما تبلغه عن ربك.
وقد لقن الله ـ تعالى ـ رسوله صلىاللهعليهوسلم الرد المفحم لهم فقال : (قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ).
أى : قل لهم يا محمد إن هذه الآيات التي اقترحتموها تعنتا وعنادا مردها إلى الله ، فهو وحده
__________________
(١) تفسير المنار ج ٧ ص ٦٦٩.