ثم أمر الله : نبيه صلىاللهعليهوسلم في بيان رائع حكيم ، أن يسأل المشركين عن أى شيء في هذا الكون أعظم وأزكى شهادة بحيث تقبل شهادته ولا ترد فقال ـ تعالى ـ : (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً؟ قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ).
روى بعض المفسرين أن أهل مكة قالوا : يا محمد ، أرنا من يشهد أنك رسول الله ، فإنا لا نرى أحدا نصدقه ، ولقد سألنا عنك اليهود والنصارى فزعموا أنه ليس لك عندهم ذكر ، فأنزل الله ـ تعالى ـ : (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ).
أى : قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين يخاصمونك فيما تدعو إليه : أى شيء في هذا الوجود شهادته أكبر شهادة وأعظمها بحيث تقبلونها عن تسليم وإذعان؟ ثم أمره أن يجيبهم على هذا السؤال بالحقيقة التي لا يمارى فيها عاقل وهي أن شهادة الله هي أكبر شهادة وأقواها وأزكاها ، لأنها شهادة من يستحيل عليه الكذب أو الخطأ ، وقد شهد ـ سبحانه ـ : بصدقى فيما أبلغه عنه فلما ذا تعرضون عن دعوتي ، وتتنكبون الطريق المستقيم؟
وصدرت الآية الكريمة بقل وبصيغة الاستفهام تنبيها إلى جلال الشاهد ، وإلى سلامة دعوى النبي صلىاللهعليهوسلم لكي يدركوا ما فيها من حق وما هم فيه من ضلال.
وأوثرت كلمة «شيء» في قوله ـ تعالى ـ : (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً) لأنها تفيد الشمول والإحاطة والاستقصاء.
قال صاحب الكشاف : ما ملخصه قوله ـ تعالى ـ : (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) أراد : أى شهيد أكبر شهادة ، فوضع شيئا مقام شهيد ليبالغ في التعميم ، ويحتمل أن يكون تمام الجواب عنه قوله : (قُلِ اللهُ) بمعنى : الله أكبر شهادة ، ثم ابتدأ (شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) أى : هو شهيد بيني وبينكم. وأن يكون (اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) هو الجواب ، لدلالته على أن الله ـ تعالى ـ : (إذا كان هو الشهيد بينه وبينهم فأكبر شيء شهادة من هو شهيد له) (١).
والمراد بشهادة الله ما جاء في آياته القرآنية من أنه ـ سبحانه ـ : قد أرسل رسوله محمدا (بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ).
ثم بين ـ سبحانه ـ : أن القرآن هو المعجزة الخالدة للنبي صلىاللهعليهوسلم فقال : (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ).
أى : أن الله ـ تعالى ـ : قد أنزل هذا القرآن عن طريق وحيه الصادق ، لأنذركم به يا أهل
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ١١.