ووجه الاقتصار على مكة ومن حولها في هذه الآية أنهم الذين جرى الكلام والجدال معهم في قوله ـ تعالى ـ قبل ذلك (وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُ).
قال الآلوسى : ويمكن أن يقال خصهم بالذكر لأنهم الأحق بإنذاره صلىاللهعليهوسلم فهو كقوله ـ تعالى ـ : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) ولذا أنزل كتاب كل رسول بلسان قومه» (١).
وقال صاحب المنار «وزعم بعض اليهود المتقدمين وغيرهم أن المراد بمن حولها بلاد العرب فخصه بمن قرب منها عرفا ، واستدلوا به على أن بعثة النبي صلىاللهعليهوسلم خاصة بقومه العرب. والاستدلال باطل وإن سلم التخصيص المذكور ، فإن إرساله إلى قومه لا ينافي إرساله إلى غيرهم ، وقد ثبت عموم بعثته صلىاللهعليهوسلم من آيات أخرى كقوله ـ تعالى ـ (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً) (٢).
وقوله (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ).
أى : والذين يؤمنون بالآخرة وما فيها من ثواب وعقاب يؤمنون بهذا الكتاب الذي أنزله الله هداية ورحمة لأن من صدق بالآخرة خاف العاقبة ، وحرص على العمل الصالح الذي ينفعه.
ثم ختمت الآية بهذا الثناء الجميل عليهم فقالت (وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ) أى يؤدونها في أوقاتها مقيمين لأركانها وآدابها في خشوع واطمئنان ، وخصت الصلاة بالذكر لكونها أشرف العبادات وأعظمها خطرا بعد الإيمان.
قال الإمام الرازي : «ويكفيها شرفا أنه لم يقع اسم الإيمان على شيء من العبادات الظاهرة إلا عليها كما في قوله ـ تعالى ـ (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) أى صلاتكم ، ولم يقع اسم الكفر على شيء من المعاصي إلا على ترك الصلاة ، ففي الحديث الشريف «من ترك الصلاة متعمدا فقد كفر» فلما اختصت الصلاة بهذا النوع من التشريف لا جرم خصها الله بالذكر في هذا المقام» (٣).
وبعد أن بين ـ سبحانه ـ مزايا هذا القرآن أتبع ذلك ببيان عاقبة الذين يفترون الكذب على الله ـ تعالى ـ ، وصور أحوالهم عند النزع الأخير وعند ما يقفون أمام ربهم للحساب بصورة ترتجف لها الأفئدة فقال ـ تعالى ـ :
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ).
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٧ ص ٢١٢.
(٢) تفسير المنار ج ٧ ص ٦٢٠.
(٣) تفسير الفخر الرازي ج ٤ ص ٩٣.