لا يعلمها ولا يخرجها من البلد ، ومنهم من يقول بل اتبعتهم ، فلما جاء العذاب التفتت هي فأصابها ما أصابهم ، والأظهر أنها لم تخرج من البلد ولا أعلمها لوط بل بقيت معهم ، ولهذا قال هاهنا : (إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ) أى : «الباقين في العذاب» (١).
والغابر : الباقي. يقال : غبر الشيء يغبر غبورا ، أى «بقي». وقد يستعمل فيما مضى ـ أيضا ـ فيكون من الأضداد ، ومنه قول الأعشى : في الزمن الغابر. أى : الماضي.
وقوله : (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً) أى : وأرسلنا على قوم لوط نوعا من المطر عجيبا أمره ، وقد بينه الله في آية أخرى بقوله : (فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ) (٢).
أى : جازيناهم بالعقوبة التي تناسب شناعة جرمهم فإنهم لما قلبوا الأوضاع فأتوا الرجال دون النساء ، أهلكناهم بالعقوبة التي قلبت عليهم قريتهم فجعلت أعلاها أسفلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل أى من طين متجمد.
ثم ختمت القصة بالدعوة إلى التعقل والتدبر والاعتبار فقال ـ تعالى ـ : (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ).
أى : فانظر أيها العاقل نظرة تدبر واتعاظ في مآل أولئك الكافرين المقترفين لأشنع الفواحش ، واحذر أن تعمل أعمالهم حتى لا يصيبك ما أصابهم وسر في الطريق المستقيم لتنال السعادة في الدنيا والآخرة.
هذا ، وقد وردت أحاديث تصرح بقتل من يعمل عمل قوم لوط فقد روى الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجة والترمذي والحاكم والبيهقي عن ابن عباس.
قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط. فاقتلوا الفاعل والمفعول به».
وذهب الإمام أبو حنيفة إلى أن اللائط يلقى من شاهق ويتبع بالحجارة كما فعل بقوم لوط.
وذهب بعض العلماء إلى أنه يرجم ، سواء أكان محصنا أو غير محصن (٣).
ثم قصت علينا سورة الأعراف بعد ذلك قصة شعيب مع قومه ، فقالت :
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٢٣١.
(٢) سورة الحجر الآية ٧٤.
(٣) راجع تفسير القاسمى ج ٧ ص ٢٨٠٧ وما بعدها. وتفسير الآلوسى ج ٧ ص ١٧٢ وما بعدها.