يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ) (٦)
والمعنى الإجمال للآية الأولى : أن هؤلاء الجاحدين لرسالات الله ، لا تأتيهم معجزة من المعجزات الدالة على صدقك ـ يا محمد ـ فيما تبلغه عن ربك إلا تلقوها بالإعراض ، واستقبلوها بالنبذ والاستخفاف.
فالآية الكريمة ، كلام مستأنف سيق لبيان كفرهم بآيات الله ـ تعالى ـ وإعراضهم عنها بالكلية بعد بيان كفرهم بالله ـ تعالى ـ وإعراضهم عن بعض آيات التوحيد. وامترائهم في البعث ، وإعراضهم عن أدلتة (١).
و (مِنْ) الأولى لاستغراق الجنس الذي يقع في حيز النفي ، كقولك : ما أتانى من أحد والثانية للتبعيض ، أى : ما يظهر لهم دليل قط من الأدلة التي توجب النظر والتأمل والاعتبار ، إلا أهملوه وأعرضوا عنه. لقسوة قلوبهم وعدم تدبرهم للعواقب.
وإضافة الآيات إلى اسم الرب ـ عزوجل ـ تدل على تفخيم شأنها ، وعلى أن تكذيبهم لها إنما هو تكذيب لما عرفوا مصدره ، كما يدل على شدة عنادهم وإيغالهم في الكفر والجحود.
والآية الكريمة بأسلوبها المتضمن الحصر ، وباشتمالها على كان وخبرها المفيد للدوام ، والاستمرار ، تفيد أن الإعراض عن الحق دأبهم ، وأنهم ليسوا على استعداد لتقبل الحق مهما اتضحت معالمه ، وأسفرت حججه.
ثم بين ـ سبحانه ـ أنهم لم يكتفوا بالإعراض عن الحق ، بل تجاوزوا ذلك إلى التهكم بدعاته ، والتطاول عليهم ، وأنهم نتيجة لذلك المسلك الأثيم ستكون عاقبتهم خسرا فقال ـ تعالى ـ : (فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ ، فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ).
فالآية الكريمة كشفت بأسلوب مؤكد عن جانب من عتوهم وسفههم وسوء أدبهم ، بعد أن كشفت سابقتها عن عنادهم ونأيهم عن الحق.
__________________
(١) تفسير الآلوسي ج ٧ ص ٩١.