الآية (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً) وإن بحسبك أن تقول : اللهم إنى أسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل ، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل (١)».
ثم نهى الله عباده عن كل لون من ألوان المعاصي فقال : (وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها) أى : لا تفسدوا في الأرض بعد إصلاح الله إياها ، بأن خلقها على أحسن نظام ، فالجملة الكريمة نهى عن سائر أنواع الإفساد كإفساد النفوس والأموال والأنساب والعقول والأديان.
روى أبو الشيخ عن أبى بكر بن عياش أنه سئل عن قوله ـ تعالى ـ : (وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها) فقال : إن الله بعث محمدا صلىاللهعليهوسلم إلى أهل الأرض وهم في فساد فأصلحهم الله به ، فمن دعا إلى خلاف ما جاء به محمد صلىاللهعليهوسلم فهو من المفسدين في الأرض».
قال صاحب المنار : وقال ـ سبحانه ـ : (وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها) لأن الإفساد بعد الإصلاح أشد قبحا من الإفساد على الإفساد ، فإن وجود الإصلاح أكبر حجة على المفسد إذا هو لم يحفظه ويجرى على سننه. فكيف إذا هو أفسده وأخرجه عن وضعه؟ ولذا خص بالذكر وإلا فالإفساد مذموم ومنهى عنه في كل حال» (٢).
وقوله : (وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً).
أصل الخوف : انزعاج في الباطن يحصل من توقع أمر مكروه يقع في المستقبل.
والمعنى : وادعوه خائفين من عقابه إياكم على مخالفتكم لأوامره ، طامعين في رحمته وإحسانه وفي إجابته لدعائكم تفضلا منه وكرما.
قال الجمل : فإن قلت : قال في أول الآية : (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً) وقال هنا : (وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً) وهذا عطف للشيء على نفسه فما فائدة ذلك؟ قلت : الفائدة أن المراد بقوله ـ تعالى ـ : (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً) بيان شرطين من شروط الدعاء وبقوله : (وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً) بيان شرطين آخرين ، والمعنى : كونوا جامعين في أنفسكم بين الخوف والرجاء في أعمالكم ولا تطمعوا أنكم وفيتم حق الله في العبادة والدعاء وإن اجتهدتم فيهما» (٣).
وقوله : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) أى : إن رحمته ـ تعالى ـ وإنعامه على عباده قريب من المتقين لأعمالهم ، المخلصين فيها ، لأن الجزاء من جنس العمل ، فمن أحسن عبادته
__________________
(١) أخرجه أبو داود في كتاب الوتر باب الدعاء حديث رقم ١٤٨٠ طبعة محمد فؤاد عبد الباقي.
(٢) تفسير المنار ج ٨ ص ٤٦١.
(٣) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ١٥١.