والمستقر : وقت الاستقرار.
أى : لكل خبر عظيم وقت استقرار وحصول لا بد منه ، وسوف تعلمونه في المستقبل عند حلوله بكم متى شاء الله ذلك ، قال ـ تعالى ـ (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ).
وبذلك تكون الآيات الكريمة قد ساقت ألوانا من قدرة الله ، وهددت المعاندين في كل زمان ومكان بسوء المصير.
ثم أمر الله ـ تعالى ـ رسوله وأتباعه بأن يهجروا المجالس التي لا توقر فيه آيات الله وشرائعه ، فقال ـ تعالى ـ :
(وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ).
قال الراغب : الخوض هو الشروع في الماء والورود فيه ، ثم استعير للأخذ في الحديث فقيل : تخاوضوا في الحديث ، أى : أخذوا فيه على غير هدى ، وأكثر ما ورد في القرآن ورد فيما يذم الشروع فيه نحو قوله ـ تعالى ـ (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ) (١).
والمعنى : وإذا رأيت أيها النبي الكريم ، أو أيها المؤمن العاقل ، الذين يخوضون في آياتنا بالتكذيب والطعن والاستهزاء فأعرض عنهم. وانصرف عن مجالسهم ، وأرهم من نفسك الاحتقار لتصرفاتهم ، ولا تعد إلى مجالسهم حتى يخوضوا في حديث آخر ، لأن آياتنا المنسوبة إلينا من حقها أن تعظم وأن تحترم لا أن تكون محل تهكم واستهزاء.
قال ابن جريج : كان المشركون يجلسون إلى النبي صلىاللهعليهوسلم يحبون أن يسمعوا منه ، فإذا سمعوا استهزءوا فنزلت هذه الآية فجعل صلىاللهعليهوسلم إذا استهزءوا قام فحذروا وقالوا : لا تستهزءوا فيقوم.
وإنما عبر عن انتقالهم إلى حديث آخر بالخوض ، لأنهم لا يتحدثون إلا فيما لا جدوى فيه ولا منفعة من ورائه غالبا.
وقوله (وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أى : وإما ينسينك الشيطان ما أمرت به من ترك مجالسة الخائضين على سبيل الفرض والتقدير فلا تقعد بعد التذكر مع القوم الظالمين لأنفسهم بتكذيب آيات ربهم والاستهزاء بها ، وقد جاء الشرط الأول بإذا لأن خوضهم في الآيات محقق ، وجاء الشرط الثاني بإن لأن إنساء الشيطان له قد يقع وقد لا يقع.
فإن قيل : النسيان فعل الله فلم أضيف إلى الشيطان؟ أجيب بأن السبب من الشيطان وهو الوسوسة والإعراض عن الذكر فأضيف إليه لذلك ، كما أن من ألقى غيره في النار فمات يقال : إنه القاتل وإن كان الإحراق فعل الله.
__________________
(١) المفردات في غريب القرآن ص ١٦٠ للراغب الأصفهاني.