وأخذوا يذيبونها ويستعملونها في شئونهم المختلفة أو يبيعونها ويأكلون ثمنها ، ولقد لعنهم النبي صلىاللهعليهوسلم بسبب هذا التحايل في أحاديث متعددة.
من ذلك ما روى عن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان قاعدا خلف المقام ، فرفع بصره إلى السماء وقال : «لعن الله اليهود ـ ثلاثا ـ إن الله حرم عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا ثمنها ، وإن الله لم يحرم على قوم أكل شيء إلا حرم عليهم ثمنه» (١).
وعن جابر بن عبد الله قال سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول عام الفتح «إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام فقيل يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنها يدهن بها الجلود ، وتطلى بها السفن ويستصبح بها الناس ، فقال : (لا. هو حرام) ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم عند ذلك (قاتل الله اليهود) ، إن الله لما حرم عليهم شحومها جملوها. أى : أذابوها ثم باعوها وأكلوا ثمنها» (٢).
ثم حذرهم الله من الكفر والطغيان ، فقال ـ تعالى ـ : (فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ ، وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) أى : فإن كذبك ـ يا محمد ـ هؤلاء اليهود وأمثالهم من المشركين ، فيما أخبرناك عنه من أنا حرمنا على هؤلاء اليهود بعض الطيبات عقوبة لهم ، فقل لهم. إن الله ـ تعالى ـ ذو رحمة واسعة حقا ورحمته وسعت كل شيء ، ومن مظاهر رحمته أنه لا يعاجل من كفر به بالعقوبة ، ولا من عصاه بالنقمة ، ولكن ذلك لا يقتضى أن يرد بأسه ، أو يمنع عقابه عن القوم المصرين على إجرامهم المستمرين على اقتراف المنكرات ، وارتكاب السيئات.
فالآية الكريمة قد جاءت لتزجرهم عن البغي والكفران ، حتى يعودوا إلى طريق الحق. إن كانوا ممن ينتفع بالذكرى ، ويعتبر بالموعظة.
ثم حكى القرآن بعد ذلك شبهة من الشبهات الباطلة التي تمسك بها المشركون في شركهم وجهالاتهم ورد عليها بما يبطلها ويخرس ألسنة قائليها أو المتذرعين بها فقال :
(سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ١٨٥.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ١٨٥.