ما داموا قد خلقوا على الفطرة ، ونصب الله لهم في كل شيء من مخلوقاته ما يدل على وحدانيته ، وجاءتهم الرسل فبشرتهم وأنذرتهم. فقد بطل عذرهم ، وسقطت حجتهم.
ثم بين ـ سبحانه ـ سببا آخر لهذا الاشهاد فقال : (أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ).
أى. وفعلنا ذلك ـ أيضا منعا لكم من أن تقولوا يوم الحساب : إن آباءنا هم الذين سنوا هذا الإشراك وساروا عليه فنحن قد اتبعناهم في ذلك بمقتضى أننا أبناؤهم ، وننهج نهجهم من بعدهم ، فإن قولكم هذا غير مقبول بعد أن هيأ الله لكم من الأسباب ما يفتح قلوبكم لنور الحق لو كنتم مستعدين لقبوله.
والاستفهام في قوله (أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ) للإنكار. أى : أنت يا ربنا حكيم وعادل فهل تؤاخذنا بما فعل آباؤنا من الشرك وأسسوا من الباطل أو بفعل آبائنا الذين أبطلوا تأثير العقول وأقوال الرسل؟ إنك يا ربنا قد وعدت أنك لا تأخذ الأبناء بفعل الآباء ونحن قد سلكنا طريقهم والحجة عليهم بما شرعوا لنا من الباطل فكيف تؤاخذنا؟.
والجواب على ذلك أن الإقرار بالربوبية والتوحيد هو في أصل فطرتكم فلم لم ترجعوا إليه عند ما دعاكم رسولنا الكريم إلى وحدانية الله ونبذ الشركاء إن انقيادكم للاباء بعد أن وهبكم الله العقول المفكرة ، وأرسل إليكم الرسل مبشرين ومنذرين لن يعفيكم من المسئولية ، ولن ينقذكم من العذاب.
ثم قال ـ تعالى ـ (وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) أى : ومثل هذا التفصيل البليغ نفصل لبنى آدم الآيات والدلائل ليستعملوا عقولهم ، ولعلهم يرجعون إلى فطرتهم وما استكن فيها من ميثاق ، وإلى خلقتهم وما كمن فيها من ناموس. فالرجوع إلى الفطرة القويمة كفيل بغرس عقيدة التوحيد في القلوب ، وردها إلى بارئها الواحد القهار الذي فطرها على الحق ، وصرفها عن الجهل والتقليد.
هذا ، وقد أخذ العلماء من هذه الآيات أمورا من أهمها :
١ ـ فساد التقليد في الدين ، وأنه ـ تعالى ـ قد أزاح العذر ، وأزال العلل بحيث أصبح لا يعذر أحد بكفره أو شركه.
٢ ـ أن معرفته ـ تعالى ـ فطرية ضرورية. قال ـ تعالى ـ (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ).
وروى الترمذي عن عمران بن الحصين قال : قال النبي صلىاللهعليهوسلم لأبى : يا حصين كم إلها تعبد