وقد رد الله ـ تعالى ـ عليهم بقوله : (قُلْ إِنَّ اللهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ).
أى : قل لهم أيها الرسول الكريم على سبيل التوبيخ والتقريع إن الله ـ تعالى ـ قادر على تنزيل ما اقترحوا من آيات ، لأنه ـ سبحانه ـ لا يعجزه شيء ، ولكنه ـ سبحانه ـ ينزل ما تقتضيه حكمته ، إلا أنهم لجهلهم وعنادهم لا يعلمون شيئا من حكم الله في أفعاله ، ولا من سننه في خلقه.
وقوله ـ تعالى ـ : (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) يفيد أنهم لا يؤمنون حتى ولو جاءتهم الآيات التي اقترحوها ، لأن عدم إيمانهم ليس عن نقص في الدليل ولكنه عن تكبر وجحود.
ثم ذكر ـ سبحانه ـ بعض الآيات الكونية المبثوثة في الأرض والجو والمعروضة على البصائر والأبصار فقال ـ تعالى ـ :
(وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ).
الدابة : كل ما يدب على الأرض من حيوان. والطائر : كل ذي جناح يسبح في الهواء ، والأمم : جمع أمة وهي جماعة يجمعهم أمر ما.
والمعنى : إنه لا يوجد نوع ما من أنواع الأحياء التي تدب على الأرض ولا من أنواع الطير التي تسبح في الهواء إلا وهي أمم مماثلة لكم في أن الله خلقهم وتكفل بأرزاقهم.
قال صاحب الكشاف : فإن قلت ما الغرض من ذكر ذلك؟ قلت : الدلالة عن عظم قدرة الله. وسعة سلطانه ، وتدبير تلك الخلائق المتفاوتة الأجناس ، المتكاثرة الأصناف ، وهو حافظ لما لها ، وما عليها ، مهيمن على أحوالها ، لا يشغله شأن عن شأن ، وأن المكلفين ليسوا بمخصوصين بذلك دون من عداهم من سائر الحيوان» (١) وذكر الجناحين في الطير لتوجيه الأنظار إلى بديع صنعه ـ سبحانه ـ وحسن خلقه.
قال ـ تعالى ـ : (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ) (٢).
ثم قال ـ تعالى ـ : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ).
التفريط في الأمر : التقصير فيه وتضييعه حتى يفوت. والمراد بالكتاب اللوح المحفوظ وقيل المراد به القرآن.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٢١.
(٢) سورة الملك : الآية ١٩.