الغشاء : غطاء الشيء الذي يستره من فوقه ، والغاشية ؛ الظلة التي تظل الإنسان من سحابة أو غيرها. والتغشى كناية عن الجماع. أى فلما تغشى الزوج الذي هو الذكر الزوجة التي هي الأنثى وتدثرها لقضاء شهوتهما (حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً). أى : حملت منه محمولا خفيفا وهو الجنين في أول حملة لا تجد المرأة له ثقلا لأنه يكون نطفة ثم مضغة ، ولا ثقل له يذكر في تلك الأحوال (فَمَرَّتْ بِهِ) أى : فمضت به إلى وقت ميلاده من غير نقصان ولا إسقاط. أو المعنى : فاستمرت به كما كانت من قبل حيث قامت وقعدت وأخذت وتركت من غير مشقة وتلك هي المرحلة الأولى من مراحل الحمل.
وتأمل معى ـ أيها القارئ الكريم ـ مرة أخرى قوله ـ تعالى : (فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً) لترى سمو القرآن في تعبيره ، وأدبه في عرض الحقائق. إن أسلوبه يلطف ويدق عند تصوير العلاقة بين الزوجين ، فهو يسوقها عن طريق كناية بديعة تتناسب مع جو السكن والمودة بين الزوجين وتتسق مع جو الستر الذي تدعو إليه الشريعة الإسلامية عند المباشرة بين الرجل والمرأة ، ولا نجد كلمة تؤدى هذه المعاني أفضل من كلمة (تَغَشَّاها).
ثم تأتى المرحلة الثانية من مراحل الحمل فيعبر عنها القرآن بقوله : (فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ).
أى : فحين صارت ذات ثقل يسبب نمو الحمل في بطنها ، فالهمزة للصيرورة كقولهم : أتمر فلان وألبن أى : صار ذا تمر ولبن.
أى : وحين صارت الأم كذلك وتبين الحمل ، وتعلق به قلب الزوجين ، توجها إلى ربهما يدعوانه بضراعة وطمع بقولهما : (لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً) أى لئن أعطيتنا نسلا سويا تام الخلقة ، يصلح للأعمال الإنسانية النافعة (لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) لك على نعمائك التي من أجلها هذه النعمة واستجاب الله للزوجين دعاءهما ، فرزقهما الولد الصالح فماذا كانت النتيجة؟.
لقد كانت النتيجة عدم الوفاء لله فيما عاهداه عليه ، ويحكى القرآن ذلك فيقول : (فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما) أى : فحين أعطاهما ـ سبحانه ـ الولد الصالح الذي كانا يتمنيانه ، جعلا لله ـ تعالى ـ شركاء في هذا العطاء ، وأخلا بالشكر في مقابلة هذه النعمة أسوأ إخلال ، حيث نسبوا هذا العطاء إلى الأصنام والأوثان ، أو إلى الطبيعة كما يزعم الطبعيون أو إلى غير ذلك مما يتنافى مع إفراد الله ـ تعالى ـ بالعبادة والشكر.
وقوله (فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) تنزيه فيه معنى التعجب من أحوالهم. أى : تنزه ـ سبحانه ـ وتقدس عن شرك هؤلاء الأغبياء الجاحدين الذين يقابلون نعم الله بالإشراك والكفران.