والمعنى : ليس الأمر كما يوهمه كلامهم في التمني من أنهم يريدون العودة للهداية ، بل الحق أنهم تمنوا العودة إلى الدنيا بعد أن استقبلتهم النار بلهبها ، وبعد أن ظهر لهم ما كانوا يخفونه في الدنيا من أعمال قبيحة ، ومن أفعال سيئة ، وبعد أن بدا لهم ما كانوا يكذبون به ، وينكرون تحققه ، ولو أنهم ردوا إلى الدنيا بمتعها وشهواتها وأهوائها لعادوا لما نهوا عنه من التكذيب بالآيات ، والسخرية من المؤمنين ، وإنهم لكاذبون في كل ما يدعون.
فالآية الكريمة تصور ما طبع عليه هؤلاء الجاحدون من فجور وعناد وافتراء ، لأنهم حتى لو أجيبوا إلى طلبهم ـ على سبيل الفرض والتقدير ـ لما تخلوا عن كفرهم ومحاربتهم للأنبياء وللمصلحين.
ثم بين ـ سبحانه ـ بعض مفترياتهم في الدنيا واغترارهم بها فقال ـ تعالى ـ (وَقالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ).
أى : أن هؤلاء الكافرين قد بلغ بهم الحب للدنيا والتعلق بها أنهم قالوا : ما الحياة التي تسمى حياة في نظرنا إلا هذه الدنيا التي نتمتع فيها بما نريد من شهوات وما نحن بمبعوثين ولا محاسبين بعد ذلك.
فالآية الكريمة تحكى عنهم أنهم ينكرون أى حياة سوى الحياة التي يعيشونها ، وينفون وقوع البعث والحساب والثواب والعقاب نفيا مؤكدا بالباء وبالجملة الاسمية.
ويرى جمهور المفسرين أن هذه الآية الكريمة تتمة للآية السابقة لها من حيث المعنى ، وأن قوله (وَقالُوا) معطوف على (لَعادُوا) والتقدير ، ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه من الكفر وسيئ الأعمال وقالوا ما الحياة إلا حياتنا الدنيا ، ويكون قوله (وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) جملة اعتراضية مؤكدة لمعنى عودتهم إلى ما كانوا عليه إن عادوا إلى الدنيا ، إذ هي تكذيب لادعائهم أنهم لا يكذبون بآيات ربهم.
ثم بين ـ سبحانه ـ حالهم عند ما يقفون ليستمعوا إلى ما يوجهه إليهم ربهم من توبيخ وتقريع بسبب كفرهم فقال :
(وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ قالَ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِ).
أى : قال لهم ـ سبحانه ـ أليس هذا البعث الذي تشاهدونه بأعينكم ثابتا بالحق؟ وهنا يجيبون خالقهم مصدقين لأن الواقع يحتم عليهم ذلك فيقولون ـ كما حكى القرآن عنهم ـ (بَلى وَرَبِّنا) أى : قالوا : بلى يا ربنا إنه للحق الذي لا شك فيه ، ولا باطل يحوم من حوله ، وأكدوا اعترافهم بالقسم شاهدين على أنفسهم بأنهم كانوا كافرين في الدنيا.