فحاصل معنى المثل : أن المكذبين بآيات الله المنزلة على رسوله مع إيضاحها بالحجج والدلائل كالعالم الذي حرم ثمرة الانتفاع من علمه ، لأن كلا منهما لم ينظر في الآيات نظر تأمل واعتبار وإخلاص» (١).
وقوله ـ تعالى ـ (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها) أى : اقرأ على قومك يا محمد ليعتبروا ويتعظوا خبر ذلك الإنسان الذي آتيناه آياتنا بأن علمناه إياه ، وفهمناه مراميها ، فانسلخ من تلك الآيات انسلاخ الجلد من الشاة ، أو الحية من جلدها.
والمراد أنه خرج منه بالكلية بأن كفر بها ، ونبذها وراء ظهره ، ولم ينتفع بما اشتملت عليه من عظات وإرشادات.
وحقيقة السلخ كشط الجلد وإزالته بالكلية عن المسلوخ عنه ، ويقال لكل شيء فارق شيئا على أتم وجه انسلخ منه. وفي التعبير به ما لا يخفى من المبالغة وقوله : (فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ) أى : فلحقه الشيطان وأدركه فصار هذا الإنسان بسبب ذلك من زمرة الضالين الراسخين في الغواية ، مع أنه قبل ذلك كان من المهتدين :
وفي التعبير بقوله (فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ) مبالغة في ذم هذا الإنسان وتحقيره ، جعل كأنه إمام للشيطان والشيطان يتبعه ، فهو على حد قول الشاعر :
وكان فتى من جند إبليس فارتقى |
|
به الحال حتى صار إبليس من جنده |
قال الجمل : أتبعه فيه وجهان :
أحدهما : أنه متعد لواحد بمعنى أدركه ولحقه ، وهو مبالغة في حقه حيث جعل إماما للشيطان.
وثانيهما : أن يكون متعديا لاثنين لأنه منقول بالهمزة من تبع ، والمفعول الثاني محذوف تقديره : فأتبعه الشيطان خطواته ، أى جعله تابعا لها :
وقوله (وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها) كلام مستأنف مسوق لبيان ما ذكر من الانسلاخ وما يتبعه.
والضمير في قوله (لَرَفَعْناهُ) يعود إلى الشخص المعبر عنه بالاسم الموصول (الَّذِي) والضمير في قوله (بِها) يعود إلى الآيات. ومفعول المشيئة محذوف.
أى : ولو شئنا رفعه بسبب تلك الآيات إلى درجات الكمال والعرفان لرفعناه لأننا
__________________
(١) تفسير المنار ج ٩ ص ٤٠٥.