والتعبير بقوله ـ تعالى ـ (فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ) يرسم صورة بليغة لإقبال الدنيا عليهم من جميع أقطارها بجميع ألوان نعمها ، وبكل قوتها وإغرائها ، فهو اختبار لهم بالنعمة بعد أن ابتلاهم بالبأساء والضراء.
وعبر ـ سبحانه ـ عن إعطائهم النعمة بقوله : (بِما أُوتُوا) بالبناء للمجهول لأنهم يحسبون أن ذلك بعلمهم وقدرتهم وحدهم ، كما قال قارون من قبل (إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي).
وأضاف ـ سبحانه ـ الأخذ إلى ذاته في قوله (فَأَخَذْناهُمْ) لأنهم كانوا لا ينكرون ذلك ، بل كانوا ينسبون الخلق والإيجاد إلى الله ـ تعالى ـ.
وكان الأخذ بغتة ليكون أشد عليهم وأفظع هولا ، أى أخذناهم بعذاب الاستئصال حال كوننا مباغتين لهم. أو حال كونهم مبغوتين ، فقد فجأهم العذاب على غرة بدون إمهال.
وإذا في قوله (فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ) فجائية ، والمبلس : الباهت الحزين البائس من الخير ، الذي لا يحير جوابا لشدة ما نزل به من سوء الحال.
روى الإمام أحمد بسنده عن عقبة بن عامر عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «وإذا رأيت الله يعطى العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج» ، ثم تلا قوله ـ تعالى ـ (فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ). الآية.
ثم قال ـ تعالى ـ : (فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ).
الدابر : الآخر ، والمعنى : فأهلك الله ـ تعالى ـ أولئك الأقوام عن آخرهم بسبب ظلمهم وفجورهم ، والحمد لله رب العالمين الذي نصر رسله وأولياءه على أعدائهم ، وفي ختام هذه الآية بقوله (وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) تعليم لنا ، إذ أن زوال الظالمين نعمة تستوجب الحمد والثناء على الله ـ تعالى ـ.
ثم ذكرهم ـ سبحانه ـ بنعمه عليهم في خلقهم وتكوينهم ، وبين لهم إذا سلبهم شيئا من حواسهم فإنهم لا يتجهون إلا إليه فقال ـ تعالى ـ :
(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (٤٦) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ