لإعراض القلب عن ذكره تعالى. وإذا ثبت هذا التحقيق ظهر أن الاشتغال بعبادة غير الله متبر وباطل وضائع. وسعى في تحصيل ضد هذا الشيء ونقيضه ، لأنا بينا أن المقصود من العبادة رسوخ معرفة الله ـ تعالى ـ في القلب. والاشتغال بعبادة غير الله يزيل معرفته عن القلب ، فكان هذا ضد الغرض ونقيضا للمطلوب ـ والله أعلم ـ) (١).
ثم مضى موسى ـ عليهالسلام ـ يستنكر عليهم هذا الطلب ، ويبين لهم أن الله وحده هو المستحق للعبادة فقال : (أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ).
أى قال موسى ـ عليهالسلام مذكرا قومه بنعم الله عليهم الموجبة لإفراده بالعبادة والخضوع : أغير الله أطلب لكم معبودا أحملكم على العبودية له ، وهو فضلكم على عالمي زمانكم ، وقد كان الواجب عليكم أى تخصوه بالعبادة ، كما اختصكم هو بشتى النعم الجليلة. فالاستفهام في الآية الكريمة للإنكار المشرب معنى التعجب لابتغائهم معبودا سوى الله ـ تعالى ـ الذي غمرهم بنعمه ، وأحاطهم بألوان إحسانه.
و «غير» كما قال الجمل ـ منصوب على أنه مفعول به لأبغيكم على حذف اللام والتقدير : أأبغي لكم غير الله إلها ، فلما حذف الحرف وصل الفعل بنفسه وهو غير منقاس. و «إلها» تمييز لغير.
ثم ذكرهم ـ سبحانه ـ بنعمة إنجائهم من العذاب والتنكيل ، ليبتليهم أيشكرون أم يكفرون ، فقال تعالى : (وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ ، يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ).
«إذ» بمعنى وقت ، وهي مفعول به لفعل ملاحظ في الكلام وهو اذكروا أى : اذكروا وقت أن أنجيناكم من آل فرعون. والمراد من التذكير بالوقت تذكيرهم بما وقع فيه من أحداث.
وآل الرجل : أهله وخاصته وأتباعه. ويطلق غالبا على أولى الشأن والخطر من الناس ، فلا يقال آل الحجام أو الإسكاف.
و (يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ) يبغون لكم أشد العذاب وأفظعه من السوم وهو مطلق الذهاب ، أو الذهاب في ابتغاء الشيء. يقال : سامت الإبل فهي سائمة ، أى ذهبت إلى المرعى. وسام السلعة ، إذا طلبها وابتغاها.
والسوء ـ بالضم ـ كل ما يحزن الإنسان ويغمه من الأمور الدنيوية أو الأخروية. ويستحيون : أى يستبقون. يقال : استحياه أى : استبقاه ، وأصله : طلب له الحياة والبقاء.
__________________
(١) تفسير الرازي ج ٤ ص ٢٩١.