لا يغالبه أحد في فعل من الأفعال ، ولا يقع منه خلف في قول من الأقوال ، فما دام المؤمنون يخلصون له العبادة والقول والعمل ويجتهدون في مباشرة الأسباب واتخاذ الوسائل النافعة ، فإنه ـ سبحانه ـ سيجعل العاقبة لهم.
وقوله ـ تعالى ـ (وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ) تأكيد وتقرير لما قبله أى : ولقد جاءك من أخبار المرسلين وأنبائهم ـ مما قصه عليك في كتابه ـ ما فيه العظات والعبر ، فلقد صبر المرسلون على الأذى فكافأهم الله ـ تعالى ـ على ذلك بالظفر على أعدائهم.
ثم بين ـ سبحانه ـ أنه لا سبيل إلى إيمان هؤلاء الجاحدين إلا بمشيئة الله وإرادته فقال (وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ).
كبر عليك : أى شق وعظم عليك. والنفق : السرب النافذ في الأرض الذي يخلص إلى مكان.
والمعنى : وإن كان ـ يا محمد ـ قد شق عليك إعراض قومك عن الإيمان وظننت أن إتيانهم بما اقترحوه من آيات يكون سببا في إيمانهم ، فإن استطعت أن تطلب مسلكا عميقا في جوف الأرض ، أو مرقاة ترتقى بها إلى السماء لتأتيهم بما اقترحوا من مطالب فافعل فإن ذلك لن يفيد شيئا لأن هؤلاء المشركين لا ينقصهم الدليل الدال على صدقك ، ولكنهم يعرضون عن دعوتك عنادا وجحودا.
ثم قال ـ تعالى ـ (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ).
أى : لو شاء الله جمعهم على ما جئت به من الهدى والرشاد لفعل ، بأن يوفقهم إلى الإيمان فيؤمنوا ، ولكن الله لم يشأ ذلك لأنهم بسوء اختيارهم آثروا الحياة الدنيا ، فلا تكونن من الجاهلين بحكمة الله في خلقه ، وبسننه التي اقتضاها علمه.
ثم بين ـ سبحانه ـ من هم أهل للإيمان والاستجابة للحق فقال :
(إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ) أى : إنما يستجيب لك أيها الرسول الكريم أولئك الذين يسمعون توجيهك وأقوالك سماع تدبر وتفهم وتأثر ، أما هؤلاء الذين يعاندونك فقد طبع الله على قلوبهم فهم لا يفقهون.
فالمراد بالاستجابة هنا ، الإجابة المقرونة بالتفكر والتأمل ، فهي إجابة محكمة دقيقة لأنها أنت بعد استقراء وتدبر وهذا ما تدل عليه السين.
ثم بين ـ سبحانه ـ حال الكفار فقال : (وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) أى : وموتى