واحتجوا لمذهبهم بأحاديث منها ما رواه عبد الله بن عمرو عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «إن الله وضع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» (١).
ولعل هذا المذهب أقرب المذاهب إلى الصواب ، لأن المتعمد هو الذي يؤاخذ على عمله أما الناسي فليس مؤاخذا.
وقد تولت بعض كتب التفسير بسط الأقوال في هذه المسألة فليرجع إليها من شاء (٢).
ثم ضرب الله مثلا لحال المؤمن والكافر فقال :
(أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ).
الهمزة للاستفهام الإنكارى ، وهي داخلة على جملة محذوفة للعلم بها من الكلام السابق.
والتقدير : أأنتم أيها المؤمنون مثل أولئك المشركين الذين يجادلونكم بغير علم وهل يعقل أن من كان ميتا فأعطيناه الحياة وجعلنا له نورا عظيما يمشى به فيما بين الناس آمنا كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها.
فالآية الكريمة تمثيل بليغ للمؤمن والكافر لتنفير المسلمين عن طاعة المشركين بعد أن نهاهم صراحة عن طاعتهم قبل ذلك في قوله (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ).
فمثل المؤمن المهتدى إلى الحق كمن كان ميتا هالكا فأحياه الله وأعطاه نورا يستضيء به في مصالحه ، ويهتدى به إلى طرقه. ومثل الكافر الضال كمن هو منغمس في الظلمات لا خلاص له منها فهو على الدوام متحير لا يهتدى فكيف يستويان؟.
والمراد بالنور : القرآن أو الإسلام ، والمراد بالظلمات : الكفر والجهالة وعمى البصيرة. فهو كقوله ـ تعالى ـ : (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ. وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ. وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ ، وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ).
وقوله : (كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) أى : مثل ذلك التزيين الذي تضمنته الآية ـ وهو تزيين نور الهدى للمؤمنين وظلمات الشرك للضالين قد زين للكافرين ما كانوا يعملونه من الآثام كعداوة النبي صلىاللهعليهوسلم وذبح القرابين لغير الله ـ تعالى ـ وتحليل الحرام ، وتحريم الحلال وغير ذلك من المنكرات.
وجمهور المفسرين يرون أن المثل في الآية عام لكل مؤمن وكل كافر وقيل إن المراد بمن أحياه الله وهداه عمر بن الخطاب ، والمراد بمن بقي في الظلمات ليس بخارج منها عمرو بن هشام ،
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ١٧٠.
(٢) راجع تفسير ابن كثير ج ٢ ص ١٦٨ وما بعدها وتفسير الآلوسى ج ٨ ص ١٤ وما بعدها.