الْقُرى) بخلاف اللام على أن (أَنْ) مصدرية ، أو مخففة من أن وضمير الشأن اسمها.
وإما منصوب على أنه مفعول به لفعل مقدر كخذ ذلك ، أو فعلنا ذلك.
وفي قوله (بِظُلْمٍ) متعلق بمهلك أى : بسبب ظلم. أو بمحذوف وقع حالا من القرى أى : ملتبسة بظلم ...» (١).
والمعنى : ذلك الذي ذكرناه لك يا محمد من إتيان الرسل يقصون على الأمم آيات الله ، سببه أن ربك لم يكن من شأنه ولا من سننه في تربية خلقه أن يهلك القرى من أجل أى ظلم فعلوه قبل أن ينبهوا على بطلانه ، وينهوا عنه بواسطة الأنبياء والمرسلين ، فربك لا يظلم ، ولا يعذب أحدا وهو غافل لم ينذر قال ـ تعالى ـ (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) وقال ـ تعالى ـ (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ).
فالآية الكريمة صريحة في أن ـ سبحانه ـ قد أعذر إلى الثقلين بإرسال الرسل ، وإنزال الكتب ، وتبيين الآيات ، وإلزام الحجة (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ).
ثم بين ـ سبحانه ـ أن الدرجات إنما هي على حسب الأعمال فقال ـ تعالى ـ (وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا) أى : ولكل من المكلفين جنا كانوا أو إنسا درجات أى منازل ومراتب (مِمَّا عَمِلُوا) أى : من أعمالهم صالحة كانت أو سيئة أو من أجل أعمالهم إذ الجزاء من جنس العمل والعمل متروك للناس يتسابقون فيه ، والجزاء ينتظرهم عادلا لا ظلم فيه.
(وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) بل هو عالم بأعمالهم ومحصيها عليهم ، لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء.
ثم صرح ـ سبحانه ـ بغناه عن كل عمل وعن كل عامل ، وبأنه هو صاحب الرحمة الواسعة ، والقدرة النافذة فقال : (وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ).
أى : وربك يا محمد هو الغنى عن جميع خلقه من كل الوجوه ، وهم الفقراء إليه في جميع أحوالهم ، وهو وحده صاحب الرحمة الواسعة العامة التي شملت جميع خلقه.
والجملة الكريمة تفيد الحصر. وقوله : وربك مبتدأ ، والغنى خبره ، وقوله (ذُو الرَّحْمَةِ) خبر بعد خبر. وجوز أن يكون هو الخبر و «الغنى» صفة لربك.
وفي هذه الجملة تنبيه إلى أن ما سبق ذكره من إرسال الرسل وغيره ، ليس لنفعه ـ سبحانه ـ ،
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٨ ص ٨٨.