لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ) أى : ظاهر العداوة لا يفتر عن إيذائكما وإيقاع الشر بكما.
وهنا التمس آدم وحواء من ربهما الصفح والمغفرة (قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا) أى : أضررناها بالمعصية والمخالفة (وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا) ما سلف من ذنوبنا (وَتَرْحَمْنا) بقبول توبتنا (لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) أى : لنصيرن من الذين خسروا أنفسهم في الدنيا والآخرة».
وقد حكى القرآن ما رد به الله على آدم وحواء وإبليس ، فقال : (قالَ اهْبِطُوا) أى من الجنة إلى ما عداها. وقيل الخطاب لآدم وحواء وذريتهما. وقيل الخطاب لهما فقط لقوله ـ سبحانه ـ في آية أخرى : (قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً) والقصة واحدة ، وضمير الجمع لكونهما أصل البشر.
وجملة (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) في موضع الحال من فاعل اهبطوا ، والمعنى اهبطوا إلى الأرض حالة كون العداوة لا تنفك بين آدم وذريته ، وبين إبليس وشيعته (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ) أى موضع استقرار (وَمَتاعٌ) أى : تمتع ومعيشة (إِلى حِينٍ) أى : إلى حين انقضاء آجالكم.
قال : (فِيها) أى في الأرض (تَحْيَوْنَ) تعيشون (وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ) أى : يوم القيامة للجزاء ، كما في قوله ـ تعالى ـ : (مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى).
وبعد أن قص القرآن على بنى آدم قصة خلقهم وتصويرهم وما جرى بين أبيهم وبين إبليس ، وكيف أن إبليس قد خدع آدم وزوجه خداعا ترتب عليه إخراجهما من الجنة. بعد كل ذلك أورد القرآن أربع نداءات لبنى آدم حضهم فيها على تقوى الله وحذرهم من وسوسة الشيطان وذكرهم بنعمه عليهم ، فقال في النداء الأول :
(يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) (٢٦)
السوءة : العورة. والريش : لباس الزينة ، استعير من ريش الطائر ، لأنه لباسه وزينته. وقال الجوهري : الريش والرياش بمعنى كاللبس واللباس ، وهو اللباس الفاخر».
والمعنى : يا بنى آدم تذكروا واعتبروا واشكروا الله على ما حباكم من نعم ، فإنه ـ سبحانه ـ قد هيأ لكم سبيل الحصول على الملبس الذي تسترون به عوراتكم ، وتتزينون به في مناسبات التجمل والتعبد.